“ترتيب دقيق”… محمود حمدون
” ترتيب دقيق “
محمود حمدون
====
لم ينضج طعام الغداء بعد , لم أرك جائعًا بهذا الشكل من قبل ! , أصبر دقائق .. جاءني صوت أمي وهي تقف وحدها تُعد الطعام , تمارس طقسها الروتيني اليومي بكل صبر وحب , فلما فرغت من بعض مما في يدها نظرت إليّ وقالت : نام قليلًا , إغفاءة قصيرة لن تضر لكنك باستيقاظك ستجد كل شيء كما ترغب وأكثر ..
أنا اثق في قولها , أعرف مهارتها في إعداد طيب الطعام , هي تفعل ذلك منذ عشرات السنين. لكن تنفلت أعصابها حد الغضب العضود إن علمت أنيّ أكلت بالخارج حتى لو عند قريب أو صاحب أو جار , عبارتها الخالدة ترنّ في أذني كلما أقبلتُ على إناء غير آنيتها النحاسية : لا تقترب مما يعفُّ عليه الذباب والهوام .
انصعت لحديثها راجيًا أن تنقضي تلك اللحظات , لكنها عاجلتني بسؤال مقتضب : لم أعهد عنك شغفك بالأكل, كنت ترضى باليسير ولا تُقبل بنهم على شيء , سُلّم اهتماماتك بأسفله كان يستقر الغذاء , فماذا حدث ؟! ثم ردّت على نفسها وانا أنسحب للسرير لربما النوم يهدئ من روعي : لعله خير! للعمر حُكم ينبغي أن ننصاع له , ولعل …
قبيل أن تسترسل في حديثها استيقظتُ كما أفعل كل يوم في تمام السابعة صباحًا أو قبلها بدقائق, وجدت ” المطبخ ” نظيفًا بترتيبه الدقيق , الآنية في أماكنها عدا أنها فارغة , وأصوات باعة الطعام تتهادي إلى سمعي من كل صوب .
التعليقات مغلقة.