موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

ترجمة قصة قصيرة ( الأعمى L’aveugle ) للأديب الفرنسي الراحل Guy de Maupassant جي دي موباسان…بقلم عاشور زكى وهبة

942

ترجمة قصة قصيرة ( الأعمى L’aveugle ) للأديب الفرنسي الراحل Guy de Maupassant جي دي موباسان


بقلم: عاشور زكي وهبة


لكن ماذا عن غبطة أضواء الشمس الأولى؟ لماذا تملؤنا برغد العيش لحظة سقوطها على الأرض؟
السماء بالغة الزرقة، والريف تامّ الخضرة، والمنازل ناصعة البياض، وعيوننا المفتونة تمتصّ كلّ هذه الألوان الفاقعة لتسعد أرواحنا، وتجتاحنا رغبة في الرقص والغناء، وتستحوذ علينا نزعة في السباق، وتكتسحنا دقّةٌ فكريّة صائبة، ورقّة فيّاضة تدفعنا إلى احتضان الشمس.
أمّا العميان فاقدو التأثر في ظلمتهم السرمديّة، فيبقون ساكنينَ وسط هذا المرح المتجدّد، ودون وعي منهم يهدئون كلابهم الراغبة في القفز.
وحينما يعودون إلى دورهم في نهاية اليوم مُتأبطين ذراع أخّ شابّ أو أخت صغيرة، ويقولُ الطفل:” لقد كان الجوّ جميلًا حقًّا اليومَ.”
يردّ الأخر:” لقد تراءي لي جيدًا أنه كان جميلًا، حتّى أنّ كلب اللولو لم يثبت في مكانه”.
ولقد عرفتُ أحد هؤلاء الناس الذي كانت حياته مليئة بأقصى أنواع العذاب قساوة أكثر مما يتخيله بشر.
لقد كان قرويًّا، ابنًا لمزارع نورمانديٍّ.
حينما كان والداه على قيد الحياة، كانا بالكاد يعتنيان به، ولم يكنْ يعاني إلا من عاهته الفظيعة؛ لكن بمجرد أن رحل الأبوان العجوزان بدا الوجودُ بوجهه البغيض.
آوته أختٌ له، وكانت كلّ المزرعة تعامله كصعلوكٍ يقتات على خبز الآخرين.
وكانوا في كلّ وجبةٍ يعنّفونه ويوبّخونه على لقمته، ويدعونه بالقرويّ التنبل الكسول.
ومعَ أنّ صهره قد استولى على حصته من الميراث؛ إلا أنه كان يمنحه الحساء على مضضٍ كي لا يموت جوعًا.
كان ذا وجه شاحبٍ للغاية، وله عينانِ كبيرتان بيضاوان كمعجون ختم الرسائل. وكان يبدو بارد الأعصاب في مواجهة الإهانات، منطويًّا على ذاته لدرجة أننا كنا نجهل ما إذا كان لديه شعور.
زد على ذلك أنه لم يلقَ ذرة حنان: إذ كانت أمّه تعامله دومًا بقسوة، وقلما أحبته. لأنّ عديمي الجدوى في الريف مؤذيّون، والفلاحون يتصرفون حيالهم كالدجاج الذي يقتل العجزة من بينهم عن طيب نفس.
بعد أن يزدرد حساءه، كان يذهب للجلوس أمام الباب صيفًا، أو في مواجهة المدفأة شتاءً، ولا يتزحزح حتى المساء دون حركة أو إشارة إلا جفونه التي يثيرها ضرب من المعاناة العصبية فتعاود السقوط على البقعة البيضاء في عينيه.
هل كان لديه روح وفكر وأحساس جليٌّ بحياته؟! الحقّ لم يسأله أحدٌ.
وهكذا مرٍت سنوات من عمره؛ لكن عجزه عن فعل شيء خلاف برودة الأعصاب أدّى إلى سخط أقاربه عليه حتّى أضحى كبشَ محرقةٍ وهزأة للمجالس، وفريسة مدفوعة للضراوة الفطرية والسخرية الفظّة للوحوش البشرية المحيطة به.
ولنتخيل كمَّ الهَرجات القاسيّة التي يمكن أن يلهمها لهم عماه!
ولكي يدفعَ نظيرَ قوته، كانوا يجعلون من وجباته أوقات مزاح للجيران، ونكال بذي العاهة.
كان المزارعون في المنازل القريبة يتوافدون على هذه الملهاة، ويتناقلونها من بيت إلى بيت حتّى أنّ مطبخ المزرعة كان يمتليء عن أخره كل ّيومٍ.
تارةً كانوا يضعون على المائدة أمام طبق حسائه قطّة أو جروًا. وكان الحيوان يشعر بغريزته بعاهة صاحبنا، فكان يقترب بهدوء، ويأكل دون صخب أو يلعق بلطف؛ ولَدَى أي لعقة تضجّ ينتبه الأعمى المسكين، ويبتعد الحيوان بحذر ليتفادى ضربة الملعقة الطاىشة التي يطلقها.
حينئذٍ تنفجر الضحكات ودفعات الأيدي وضربات الأرض بالأرجل من الجمهور المتكدّس على طول الجدران.
أمّا صاحبنا، دون أن يتفوه ببنت شفه، كان يستأنف الأكل بيده اليمنى، في حين تبقى يسراه ممدودة ليحمي ويدافع عن طبقه.
وتارةً أخرى، كانوا يجعلونه يمضغ الفلّين أو الخشب، ويلوك أوراق الشجر أو القاذورات أيضًا دون أن يمكنه تمييزها.
وبعدَ أن كلّوا وملّوا من السخافات، فإن صهره المغيظ من إعالته وإطعامه الدائم، كان يركله ويصفعه باستمرار، ساخرًا من محاولاته العبثية لتجنب الضربات أو الردّ عليها.
حينئذٍ تجلّت لعبةٌ جديدة: لعبة صفعات المصفقين المأجورين!
حيث كان أُجراء المحراث ومساعدو البنائين والخادمات يمرّرون أياديهم أمام وجهه، مما يجعل جفونه تتحرّك حركات سريعة.. ولم يكن يعلم أين يختبيء، وكان يظلّ باستمرار مادًّا. ذراعيه ليتفادى العابثين المقتربين منه.
وفي النهاية أُجبِرَ على التسوّل، فكان يُنصَبُ في الطرق أيام الأسواق.
وبمجرد أن يسمعَ دبّة قدم أو دحرجة عربة، كان يمدّ قبعته متلعثمًا:” إحسا..نًا.. مِن.. فض..لكم!”.
لكن السخاء ليس من طبيعة القرويّ، إذ أنه خلال أسابيع كاملة لم يجلبْ فلسًا.
ولقد أثار هذا ضده كراهية جامحة.
وها هنا كيف لقى مصرعه…
ذاتَ شتاء،ٍ كانت الأرض مغطاةً بالجليد، وكانت السماء تُسقِطُ الثلوج بغزارة.
والحالة هذه، قاده صهره ذات صباح بعنفٍ بعيدًا إلى سبيل ليدفعه إلى التسوّل، وتركه هناك طيلة النهار، وحينما هبط الليل، أكدّ الصهر لعشيرته أنه لم يعثر له على أثر، ثمّ أضافَ:” كفى! لا تشغلوا بالكم، أحدهم اصطحبه معه لأن الجوّ كان باردًا، بالطبع هو ليس مفقودًا، سيعود غدًا يقربع الشوربة”.
لكنه لم يعدْ في الغدّ.
إذ أنه بعد طول انتظار، استولى عليه البرد، وأحسّ بدنو أجله، فشرع يمشي مع عدم قدرته على التعرف على الطريق المدفون أسفل هذا الجليد المتراكم. لقد تاه دون قصد، وسقط في الحفر، ثمّ نهض بصمته الدائم باحثًا عن مأوى.
لكن خدر الثلوج غزاه شيئًا فشيئًا، ولم تعد ساقاه الضعيفتان تقويان على حمله. جلسَ وسط السهل المنبسط، ولم ينهض أبدًا. دفنته نديفات الثلج دائمة السقوط، واختفى جسده المُتصلّب تحت التراكم المتواصل لحشودها الطاغية. ولم يعد هناك شيء يُظهِر المكان الذي ترقد فيه الجثّة.
تظاهرَ أقاربه بالتحري والبحث عنه ثمانية أيام، بل وذرفوا عليه الدمع أيضًا.
كان الشتاء قارسًا، ولم يحلّْ ذوبان الجليد سريعًا.
ذات أحدٍ، كان المزارعون ذاهبين إلى القُدّاس، وقد لاحظوا سربًا كبيرًا من الغربان يحوم دومًا أعلى السهل، ثمّ ينقضُّ كمطرٍ أسودَ بكثافة في نفس المكان، وينطلقُ ويعودُ مُجدّدًا.
وفي الأسبوع التالي، كانت الطيور الكئيبة لم تزل هناك. إذ كانت السماء مسربلةً بهم كسحابة، وكأنما اجتمعوا ليسدّوا أرجاء الأفق، ويتلذذوا هابطين بنعيبهم البغيض على الثلج اللامع الذي لطّخوه بغرابةٍ ونبشوه بإصرار.
ذهبَ غلامٌ ليرى صنيعهم، واكتشفَ جسدَ الأعمى، كانوا قد افترسوا نصفه ومزّقوه. أمّا عيناه الشاحبتان فقد اختفتا بفعل مناقيرهم الجشعة.
ولم يكن ليمكنني أبدًا الإحساس بالسعادة الحيّة بالأيام المشمسة دون ذكرى حزينة وفكرة كئيبة نحو ذلك البائس المحروم طيلة حياته، والذي كان موته البشع عزاءً لكلّ من عرفوه.


  ( تَمّت الترجمة بحمد الله وتوفيقه)

الإثنين 14/2/2022

التعليقات مغلقة.