موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

ترعة النحاس مدينة قليوب … محافظة القليوبية… أحمد فؤاد الهادي

166

ترعة النحاس مدينة قليوب … محافظة القليوبية…أحمد فؤاد الهادي

استوطنها أبي عندما قدم من بلدتنا (مشتول السوق بمحافظة الشرقية) فصارت مدينتي التي فيها نشأت وتعلمت ونقشت ذكرياتي في دروبها، ومثلت ترعة النحاس التي جاورتها طوال السنوات العشرين الأولى من عمري معلما لايغيب عن ذهني لما ارتبط به من ذكريات جميلة لاتنسى.

فهي تنساب في خيلاء نحو الشمال، لا أدري من أين تبدأ مسيرتها ولا إلى أين تنتهي، جميلة عشقها الجمال، أشجار الصفصاف تحتل جانبيها وقد تباينت المسافات بين كل منها وكأنها حريصة على عدم إخفاء جمال الماء الساري، الأشجار كلها تنحني في إجلال نحو الماء وكأنها الرعية في حضرة السلطان وقد أرخت فروعها ليداعبها الماء وتسري معه قدر ما تسمح به أطوالها فبدت كحسان قصدن الماء لتمشطن شعورهن المنسدلة وليضفين عليه من بهجة الحياة وجمالها.

طريقان ترابيان يصاحبان الترعة في مسارها: الشرقي تتعامد معه شوارع فرعية تضم بيوت بعض أهل المدينة، والغربي ملاصق للأراض الزراعية الغنية بالخيرات، وعلى مسافات مختلفة ومن الطوب اللبن بنى الأهالي المصليات وفرشوها بالحصير وجعلوا لكل منها درجتي سلم من الحجر الجيري وأحيانا من صخور مناسبة تؤديان إلى مجرى الماء لتيسير الوضوء.

أشجار التوت سامقة بطول الطريق الترابي الشرقي وقد تركزت أمام الشوارع المتفرعة منه، في كل صباح تدب الحياة بطول الترعة، الفلاحون يسحبون مواشيهم في طريقهم إلى الحقول، التلاميذ بملابسهم الموحدة البسيطة يسعون إلى مدارسهم دون أن يصحبهم أي من أهاليهم ودون انتظار لسيارة سوى بعض من يدرسون بالمدرسة الإعدادية الذين قد يستخدمون “الحنطور” مقابل قرش صاغ للوصول لمدرستهم على بعد حوالي ثلاثة كيلومترات، النساء يطلقن البط والوَزّ الذي يعرف طريقه إلى الترعة فيقضي فيها معظم النهار لاهيا سابحا ومسبحا بحمد الله.

عندما يحل الصيف تصبح الترعة بطولها مصيفا ومتنفسا للجميع، الصبية يقفزون في مائها بعد أن يتجردوا من ملابسهم يسبحون ويمرحون، آخرون يمارسون هوايتهم في صيد الأسماك بسنانير بسيطة صنعوها بأنفسهم بعد أن جلبوا الطعم ديدانا بنية اللون يستخرجونها من الأرض الطينية، صيحات الفرح بالصيد لا تنتهي: بلطية، قرموط، بساريا وبياض.

في الشوارع تقام مباريات الكرة الشراب التي يصنعها الصبية بأنفسهم مستخدمين جوربا قديما، وحينما ترقد الشمس في مغربها يحل الظلام الذي استعدت له ربات البيوت بلمبات الكيروسين المختلفة والتي يتسلل بعض من ضوئها الضعيف إلى الشارع فيصير الجو شاعريا يغري النساء والرجال بالجلوس أمام بيوتهم يتبادلون حلو الكلام فتجذب تجمعاتهم الصغار فيلتصقون بالأمهات والجدات يستمعن منهن لحكايات وحواديت تلهب مخيلاتهم.

ومضت السنون تلو السنين، صار الصغار بناتا وبنينا أطباء ومهندسين ومحامين ومحاسبين، وأيضا منهم من صار سائقا أو بقالا أو جزارا أو مهنيا.

وبعد سبعين عاما، وفي إحدى زياراتي لقليوب، مررت بترعة النحاس فلم أجدها! لقد صارت قبرا مفتوحا، صارت أخدودا لا أثر لماء فيه، صارت مرتعا للحشرات والهوام والحيوانات الضالة، ومستقرا للحيوانات النافقة، تبدل نسيمها بروائح عفنة، وحلت القمامة محل الماء والأسماك، لا أدري كيف صار حالها هكذا، ألم ينتبه أي من مسئولي الوحدة المحلية، أو وزارات الري، أو الزراعة، أو الصحة، أو البيئة إلى تلك الكارثة التي لم تفاجئ أحدا، بل تنامت على مر السنين؟

صرخات الأهالي انتشرت من خلال صفحات التواصل الاجتماعي وصفحات بعض الجرائد …. بلا استجابة من مسئول … حتى بتعليق يتيم!

التعليقات مغلقة.