موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

ترويض أسد بقلم د. ابراهيم مصري النهر

99

ترويض أسد بقلم د. ابراهيم مصري النهر


كان مبنى هَرِما يبدو على ملامحه آثار تعاقب هطول المطر شتاءً ومرمى تراشق سهام الشمس صيفا، لكنه ما زال يحمل في قسماته شيم الشموخ؛ النوافذ العملاقة، والأسقف العالية، والبلاط الذي يرن تحت نعال الزائرين ترحيبا بهم، كل ما فيه يوشي بمَلَكية عصر البناء.
ما أن وصلت إلى بوابته إلا وقابلني رجل قصير، أحمر الوجه يكاد الدم أن يبك من وجنتيه، وعيناه كحبيتين بازلاء، يرتدي جلبابه الرصاصي وطقيته الشبيكة التي اختلطت مع لون شعره الأبيض وصار من الصعب التفريق بين شعره ولونها الأبيض.

حمل عني بعض أمتعتي وهو يلهج بعبارات الترحيب، وصعدنا درجا جانبيا يوصل إلى سكن الطبيب، ووضعنا ما معنا من أمتعة ثم اصطحبني إلى مكتب كاتب الوحدة لأتسلم مقاليد الإدارة صوريا، ويظل زمام الأمر احدى طرفيه في قبضة العامل والطرف الآخر في قبضة الكاتب كما تعودا.

من لحظة ما رمقني بعينيه وتعرّف عليّ لم يفصل لسانه لحظة واحدة، كأنه قد ابتلع راديو، ابتدأ ثرثرته بالترحيب ثم بالتحذير الذي لا تخلو طياته من التهديد، ولا يحلو له الكلام إلا بالاقتراب منك ليشعرك بسرية ما يقول وأهميته، وهو من النوع الذي يتناثر لعابه مع الحديث ليغرق وجه من يحدثه.. يرنو بعينه إلى الباب ولو رمق خيالا أو شعر بصوت يتوقف عن السب واللعن في موظفي الوحدة، وما أن يطمئن إلى أنه لا أحد إلا ويواصل كلامه بأنه لا يخشى أحدا ولكنه ينصحني لوجه الله.. لم ينج أحدا من موظفي الوحدة من لسانه، ابتداءً من الكاتب الذي يأخذ فلوس مقابل استخراج شهادات الميلاد، وانتهاءً بالتمريض الذي يسرق السرنجات.. وبسياسة قذف الرعب في قلبي من كل من حولي؛ لم يترك شخصا في الوحدة إلا وحذرني منه.. ثم بدأ بعد ذلك بتهديدي عن طريق رسائل قصيرة غير مباشرة من قبيل أنه كان وراء نقل الطبيب الفلاني، وتسبب في جزاءات للطبيب العلاني، وأنا أستمع له ولم أبد أي اعتراض على ما يقول، وفي نفس الوقت الذي ينصب لي فيه شراكا ليصطادني ويهيمن عليّ ويوهمني بأنه المحور المحرك للوحدة، نصبت له شراكا وأوقعته فيه، وجعلت منه أسدا مروضا في قفص سركي، بالاستماع الجيد له وتحاشي الصدام به؛ وجدته من أطيب الناس.. عندما قابلت بعض الزملاء الذين سبق لهم أن عملوا بهذه الوحدة سألونني كيف تعاملت مع هذا العامل وكيف روضته وجعلته يحبك ويمدحك، إنه يقول فيك شعرا، وهو الذي لم يمدح أحدا قط؟!

وصل به الحد إلى أنه لم يكن يسمع كلامي ويدافع عني في غيبتي فقط بل كان يحضر لي الطعام من بيته، وينام معي في السكن ولا يكاد يفارقني كظلي، حتى أنه نفسه كان مستغربا من نفسه، ودائما ما كان يسألني ماذا فعلت فيّ لأحبك كل هذا الحب؟!
كان أحيانا يدخل عليّ السكن في أخر الليل ولا أشعر به إلا وهو فوق رأسي؛ كنت أُفزع في بادئ الأمر وأقول له: لم أشعر بك تتسحب كما النمس، يا نمس.
يضحك ويقهقه، ويضرب كفا بكف على كلمة يا نمس، حتى صارت هذه الكلمة أيقونة الهزار بيني وبينه.
كان من النوع المكوكي، دائب الحركة، من عيادة تنظيم الأسرة إلى غرفة الكشف، ومن غرفة الكشف إلى الصيدلية، وبعد الظهر يمسك بخرطوم المياه ويرش الحديقة، ثم يأتي بحزمة من أوراق الأشجار الجافة ولحائها ويصنع منها راكية لشواء الذرة وبجانبها يضع كنكة الشاي.. محبا شرها للحوم، في يوم أعطيت الكاتب مبلغا ليشتري لنا لحما من المدينة، أحضره وقام العامل بطهيه وأثناء تناوله لاحظت أن طعمه مختلفا عما عهدته من طعم اللحم؛ أحجمت عن الطعام وأكل العامل اللحم كله وأخذ يعايرني بأني سأظل جلدا على عظم إن لم أجرش اللحم.. في الصباح أخبر الكاتب بما حدث، فقال له: لقد أثبت أنه شيخ عرب يتذوق اللحم أما أنت فتملأ بطنك، ثم أردف قائلا: لقد كانت لحمة مستوردة، فانهال عليه بالشتيمة، ثم نظر إلىّ وقال: يا نمس، وهو يضرب كفا بكف، ونحن نضحك.
العبرة أنَّ لكل إنسان شفرة لفهم شخصيته ومنها تسيطر على مشاعره وعواطفه، فإذا استعصى عليك فك طلاسم هذه الشفرة، تعثرت العلاقة بينكما، وبدأت جذوة الشجار والعراك بينكما في الإشتعال، ولا تستطيع السيطرة على جام غضبه وأساليب مكره وسموم شره، ولو نصبت حوله سياجا من حديد.

التعليقات مغلقة.