تماثيل جاك لامار … د.أحمد دبيان
تماثيل جاك لامار
د.أحمد دبيان
فى متحف أورساى على نهر السين وقفت بجانب تمثال خرتيت فى الساحة متقن النحت ، لتلتقط لى زوجتى صورة فوتوغرافية وقتها فى ذلك الشهر من بدايات عام ٢٠١٣ .
لم أعلم من هو النحات إلا صدفة منذ أيام ولأتبين أنه نفس النحات الذى صاغ تمثال محمد على باشا والكولونيل سيف الشهير بسليمان باشا الفرنساوى جد الملكة نازلى وتمثال لاظ أوغلى أو إبن لاظ كترجمة حرفية لإسمه.
كان النحات هو المثال الفرنسى
هنرى ألفريد مارى جاك مار الشهير بجاك مار.
ولد جاك مار فى باريس عام ١٨٢٤ وتتلمذ على يد الرسام بول دى لا روش والنحات جون بابتيست كلاجمان.
إلتحق بمدرسة الفنون الجميلة عام ١٨٤٥، وتخصص فى منحوتات الحيوانات بكل الأحجام .
بدأ بعرض إنتاجه فى صالون باريس منذ عام ١٨٤٧ ليحصل على ميداليات الجائزة الأولى فى أعوام ١٨٥٧، ١٨٦٣،و ١٨٦٥.
رحل الى تركيا ومصر حيث تم الإتفاق معه على صنع تمثال للوالى محمد على .
ولتماثيل جاك مار فى مصر حكايات.
فقد ادى عزم الخديوى اسماعيل صنع تمثال لجده الى إشتعال الوضع في قلب الإسكندرية، وانتشرت حالة من الغضب بين المواطنين، تصاعدت حدتها في نفوس البسطاء، احتجاجا على ما وصفوه حربا على الدين، حتى أن صداها وصل لدائرة الحكم في مصر.
اشتعال فتيل الثورة
ففي مطلع يوليو من العام ١٩٧٢، تصاعدت احتجاجات أهالي الإسكندرية، بعد اعتزام الخديو إسماعيل وضع تمثال لجده في أحد ميادين المدينة، وزاد حنق المواطنين بمجرد تواتر أخبار من الميناء، بقرب وصول التمثال قادما من فرنسا لوضعه بميدان القناصل “المنشية حاليا”بناء على أوامر الخديو إسماعيل، وساهم عدد من رجال الدين في تأجيج المشاعر الغاضبة محذرين من فتنة الأهالي، والعودة لعصر الوثنية.
وبعد كثرة اللغط، وتأجيج الاحتجاجات، وتصاعد حدة الغضب بين المواطنين، انقذ الامام محمد عبده الموقف بأن أفتى الإمام محمد عبده ، الطالب بالأزهر الشريف وقتها ، بعدم تحريم الأعمال الفنية، ومنها التماثيل، طالما أنها ليست محل عبادة أو تقديس، وإنما للتكريم، تنفست دولة الخديو إسماعيل الصعداء عقب فتوى الطالب الأزهري، لتهدأ بعدها ثورة أهالي المدينة، ويصبح حلم إسماعيل، في إقامة تمثال لجده محمد علي باشا الكبير مؤسس الدولة العلوية سهل التحقيق.
راودت فكرة إقامة التمثال الخديو إسماعيل عام ١٨٦٥، بعد أن زار أوروبا ورأى تماثيل قادتها التاريخيين تزين الميادين هناك، فأراد إقامة تمثال يخلد ذكرى جده محمد علي باشا، وكان من المقرر وضعه في مدينة الإسماعيلية، ثم قرر وضعه بميدان محمد علي “ميدان القناصل” وسط الإسكندرية، بلغت تكلفة نحت التمثال مليوني فرانك حينها.
وقد انتهي “جاك مار ” من نحت التمثال في يوليو ١٨٧٢، وتم عرضه لمدة شهر في شارع الشانزليزيه بفرنسا، وأرسل “جاكمار” صديقه المعماري “امبرواز بودري” إلى مصر؛ ليخطر الحكومة المصرية بأن التمثال تم إنجازه، وصمم “بودري” قاعدة التمثال من الرخام، وفي ١٩ ديسمبر ١٨٧٢ كان الاحتفال الرسمي بوضعه وسط ميدان القناصل.
كان من المخطط ان يحيط أسدى قصر النيل والذين نحتهما لامار بتمثال الباشا ولكن ثورة الأهالى حسمت الأمر بأن يتم وضعهما على مدخل كوبرى قصر النيل.
من حكايا تماثيل جاكمار انه وأثناء نحته لتمثال لاظوغلى والذى تم الاتفاق ايضاً على نحته فى تلك الفترة من عام ١٨٧٢ ولأن لاظ أوغلى او ابن أوغلى كان وزيراً لمحمد على بل وكان المخطط والداعم لحكم الباشا حيث كان هو المهندس الحقيقى لمذبحة القلعة .
ورغم أهمية تاريخ لاظوغلي في تأسيس مصر الحديثة، إلا انه بقي الوحيد من رجال الباشا الذي لا يعرف عنه مؤرخ أي شيء متعلق بحياته، فمن الصعب الوصول إلى تاريخ ميلاده أو وفاته، بل حتى تمثاله لم يكن له بالتفصيل.
لم يعثر النحات الفرنسي جاك مار على أي صورة مرسومة لـمحمد لاظوغلي حتى يشيد له التمثال والذي جاء بعد وفته بسنوات طويلة، فاستعان جاك لا مار برجل كان يعمل سقا وله شكل شبيه بملامح محمد لاظ أوغلي، فأسس التمثال على هذا الأساس.
نال النحات جاك مار وسام فارس عام ١٨٧٠.
وقد توفى وفاة طبيعية فى شقته عام ١٨٩٦ وتم تأجيل الجنازة تسعة أيام لحين وصول ابنه موريس من تونس عكس الشائعات الخيالية عن انتحاره فى مصر بسبب تعليق طفل عن خطأه فى نحت اسدى قصر النيل بلا شوارب .
التعليقات مغلقة.