تماهي…بقلم حنان الهواري
كان بينهما شيئا مختلفا، طبيعيا حد الدهشة، وغريبا حد اللامعقول، كجاذبية الأرض للأشياء دون إرادة منها ودون مقاومة منه.
وكأنه قد كتب في ناموس الحياة أن لقاءهما مقدرا
كميلاد طفل وتفتق زهرة من مكامنها، كشمس تشرق في قلب ليل بهيم وكمطر يهطل؛ ليغرق الأرض .
غريبان التقط أحدهما الآخر، كقطبي مغناطيس .
سمع كثيرا عن الحب، هام بحثا عن توءم الروح، ظن أن من يبحث عنها بين النجوم وفي وجوه البشر وعلى صفحات الماء عندما يجلس وحيدا مع البحر ، تلك التي سيكتمل بها، لابد أن تشبهه في كل شئ حالمة، رقيقة ولكن من هبطت عليه لتقترن روحها به كانت عكسه تماما لذلك لم يستوعب في بادئ الأمر ما هذا الذي ربط بينهما على شاطئ الدهشة ؟! وحملهما معا فوق سحائب لؤلؤية تمرق عبر طيات الغيوم.
هي أيضا لم تدرك سر هذا الإنجذاب رغم الإختلاف.
كانت هوائية تندفع كشلال وتغزل الحب بمغزل من نور، لا تكاد قدماها تلامسان الأرض حتى تجذبه معها إلى سماء متراصة النجوم تقفز بين نجمة وأخرى فيتبعها دون خوف أو تفكير
كل منهما وجد في الآخر شيئا مميزا، بدأ بخيط إهتز وتره فوجدا صداه في قلبيهما، فانتشت به الروح .
لم تكن الكلمات هي وسيلة التواصل بينهما بل كانت الضحكات، لم يكن يعلم أن الطريق إلى قلبها مفروشا بالإبتسامات، وأنه لكي يتسور محرابها لابد أن يبني سلما من تلك الأنوار التي تتصاعد من هذا اللؤلؤ المرصوص بين شفتيها الورديتين.
لم يكن متحدثا لبقا ولا خطيبا مفوها لم يملك سوى عفويته التي إقتادتها إلى كوخه السري.
حاول من قبل أن يدعو إليه إحداهن ولكنها لم تملك مفتاحه ولم يكن ذلك المفتاح سوى أن تكون بقلب طفلة تستطيع أن تتسلق معه برج أحلامه
؛ليرسما معا بالنجوم إبتسامة على وجه الشقاء الذي يعيشه كل منهما.
جمعتهما ظروف واحدة كلاهما لا يعرف سوى العطاء وكلاهما غريب رغم كثرة القريبين.
من بين أنياب الظروف خرجا في طريق لا رجوع منه.
وكأنهما قد سحرا بشئ غريب.
هل جربت أنت تتحدث مع أحدهم فتنطقان في اللحظة نفسها بنفس الكلمة؟!
كان هذا دأبهما معا، وقتها يضحكان كطفلين
قد سرقا لحظات ممسوسة بالسعادة بعيدا عن عيون الجميع .
تعانق الحب بينهما وصنعا لنفسيهما عالما خاصا بهما.
بأرواحهما التي لا تخبو جذوتها نمت بينهما علاقة
ضاقت عليها المسميات وإحتار فيها عقليهما.
القلوب تعزف لحنا سرمديا لا يتوقف والروح في ملكوت حبهما سارحة بلا أمل في العودة .
في كل صحوة للعقل، عندما تلامس أقدامهما أرض البشر، بعيدا عن تلك السماوية التي تسحبهما بعيدا عن كل جاذبية الأرض وعن الظروف والعوائق وكل ما يطحن العقول ويجعل أقدامها مغروسة في وحل الواقع الكئيب بكل ضبابيته .
يحاولان أن ينعتقا من هذا الرباط الذي ينافي كل عقل وكل منطق، يتمزعان في نحيب وأنين
ثم ينظر كل منهما للآخر فلا يراه بل يرى نفسه التي تمزقت وهي ملتصقة بالآخر، لم يعد لأي منهما كيان خاص، ففي كل إنشطار كل منهما يصير الآخر .
تمتصهما الأرض التي عقاها وكفرا بقوانينها وأعرافها. ولكن هناك شئ يرفض أن يكون هذا هو المآل.
تتضاعف الثورة ويتكاثر الحنين حتى يصيرجيشا قادرا على طي تلك المسافات التي فرقتهما، فيعودا إلى سمائهما . وكأنهما لم يتمزقا أو يبتعدا لحظة. وكيف لا وكل منهما قد إختلط بالآخر حتى صار من الصعب أن ينفصلا.
كمزيج قد ذاب وتحول إلى شراب تغير الشكل وتغير المسمى.
لم يعودا روحين أو قلبين
صارا روحا وقلبا تسكن جسدين . هائمين بين سماء أحلامهما وواقع يغتصب براءة حبهما .
التعليقات مغلقة.