تنبيه … بقلم هنا سعد
تنبيه … بقلم هنا سعد
يالك من سائق مزعج تتمكن من إيقاظى رغم صعوبة
.ذلك فى المعتاد
ألم تكن تلك الاوناش والأتربة المتصاعدة التى تثير الاشمئزاز كافية لإثارة الفوضى فى المكان؟
تدور فى رأسى الأفكار
تارةً أشرع فى نهر السائق حتى يوقف آلة التنبية
وتارة أشرع بتوبيخ حارس المدرسة الذى يكرر تجاهل موعد تلك العربية المزعجة على مدار بضعة أيام ؟
ترصدتُ الأحداث من شوفتى فى الناحية المقابلة،السائق يتعمد الوقوف موازيًا بقرب شديد للرصيف متجاهلا وجود ضباط الأمن الذين ينتشرون حول سور المدرسة المترامي
كنت أتوقع أن بتلك العربة مسؤولًا مهمًا عن العملية الإمتحانية أو على الأحرى تحمل العربة أدوات التعقيم ضد الوباء المستحدث !فهى حقًا إمتحانات غريبة الأطوار؛ موبوءة بأوجاع الأُسر للدفعة الاستثنائية
حضر الحارث مهرولًا ومعه أحد الضباط توجهوا مباشرة إلى الباب الخلفى للسيارة ليتناولوا كرسى متحرك
اشتد فضولي لأرى ذلك الكهل الذى سيستقل الكرسى
-يا ويلى إنها فتاة لم تتجاوز الثمانية عشر عاما تضع الملازم على ساقيها المتعبتين إنها طالبة بالثانوية العامة
تطل من عينيها إبتسامة مطمئنة تختبئ وراء خصلات شعرها الأسود الكثيف؛ ابتسامة لها الف معنى .
كدت أرى جمال وجهها بصعوبة بالغة من خلف الكمامة التى تغطى نصف وجهها.
تتحاشى الفتاة نظرات المحيطين، وفى لحظة خاطفة كانت قد استقرت داخل فناء المدرسة؛ وقفت على أطراف اصابعى لأستمر فى رؤيتها ،ولكن حجبت أسوار المدرسة العالية المشهد بالكامل.
لقد أصبحت أتابع الجدول الإمتحانى بشغف وافتقدها فى أيام الاجازات البينية، أصبحت أضبط ساعة استيقاظى مع انطلاق صوت ألة التنبية بشغف غير مسبوق، وأتَفقّدها بلهفة وكأنها موسيقى بيتهوڤن، وأطير فرحا كلما اختطفت نظرة من ذلك الجمال الغامض.
-كيف يمتلك نفس الحدث وجهان متناقضان أحدهما مظلم والآخر يبعث فى النفس الراحة والسكينة ،وكيف تحول مصدر الإزعاج إلى مصدر للأرتواء؟.
أوشكت الإمتحانات على الانتهاء وأصبح القلق والفضول يعتصرني وتقودنى نفسى للذهاب أمام المدرسة وسط الطلبة لأختلس من بينهم بعض المعلومات.
-علمت أنها فقدت أسرتها فى حادث،وتعيش بدار رعاية بعد اليأس من العثور على أحد الاقرباء؛ ليت فضولي أسعفنى لأتراجع .
جررت أذيال الألم وسُقت نفسى إلى شرفتى ولا أجد مفر من التفكير بها أحقًا هِمْتُ بها عشقًا ؟ أم هِمْتُ بها شفقة ؟!
على أية حال؛ تلك الفتاة تجذبنى بشدة على غير عادتى لقد انتزعت منى اهتمامى بنفسى وأنانيتى فى التحليق حول ذاتى .
أخيرًا اتخذت قرارى؛ بعد أن علمت أنه الامتحان الختامى؛ توجهت مباشرةً إلى ذات المكان الذى تنتظر فيه السائق لبضع دقائق بعد انتهاء الإمتحان.
إعتزمت أن أكون فى غاية اللطف معها ،عينى لم تفارق باب المدرسة حتى انتهى الامتحان وخرج الطلاب واحد تلو الآخر وواحدة تلو الأخرى حتى انتهوا جميعًا ولم تكن هى بينهم؛ استشاط عقلى أين هى ؟
أخرجتْ دون أن أراها ؟!
كلا؛ فأنا أراقب بعناية وتيقظ.
لقد انقطعت أنفاسى ذهابًا ومجيئًا أبحث عن صاحبة الكرسى، قلة عددالطلبه فى هذا اليوم أثار التوجس لدىّ.أتلفت بينهم ؛ اقترب منى أحدهم، مباغتًا لى
-هل تبحث عن أحد ؟
تلعثمت قليلا ثم قلت :لماذا يبدو عدد الطلبة قليل هذا اليوم؟
-لانه لم يتبقى غير شعبة واحدة للامتحان الختامى،
-ماذا ؟؟؟؟؟!والطالبه التى تسير على كرسى …قاطعني قائلا
-رهف؟؟؟؟
-بإبتسامة حذرة: نعم نعم
-لم تحضر؛ حصلت على الإجازه بالأمس؛إنها بالشعبة الأدبية،قال ذلك على عجل ولحق بأقرانه العابثين.
وبينما أنا فى مزيج من هول المفاجاة ويقينى بحظى العاسر؛ توجه إليّ ظابط الأمن وطلب منى بحزم الابتعاد عن محيط المدرسة ليتمكن من إنهاء مهامه.
عدت إلى شرفتى أتكئ على خيبة الفؤاد وألوم نفسى على اعتياد التأخير فى كل شؤونى .
توجهت بنظرى وفكرى إلى ساحة المدرسة التى فرغت تماما من الطلبة فى وقت قصير، لم يروقنى ذلك المنظر؛ هممت بالتوجه إلى الداخل ؛فإذا بى أسمع صوت ألة التنبية من جديد.
التعليقات مغلقة.