توابل قديمة
د.أحمد دبيان
كنت لا زلت أخطو خطواتى الأولى فى بدايات السبعينات وكان بقايا الذوق الرفيع تنحسر وان كانت لا زالت تلقى بظلالها فى عروض مسرحية يبثها التليفزيون المصرى أو برنامج فن الباليه للإعلامية منى جبر ، وموسيقى كلاسيكية يتم توظيفها فى الإعلانات وعروض الأفلام الأبيض وأسود والتى كان يبثها التليفزيون يوم الأحد فى اليوم المفتوح .
جاء إعلان
Old Spice
ترويجاً لعطر برائحة أشبه برائحة زهرة القرنفل (مع دفقات خفيفة جدا من القرفة و صموغ راتنجية عطرية. وقد كانت توليفة بسطية لكنها ذكورية و ملفتة للنظر، و الأهم من ذلك أنها أصبحت جزءاً من التاريخ المعاصر.
كانت الموسيقى المصاحبة تشدهى وتثير أحاسيس غامضة من الحماسة والبهجة والخوف والفرح .
مضى وقت ليس بكثير لأعلم أنها موسيقى
Carmina Burana
كارمينا بورانا
و هي كانتاتا
و الكنتاتا (بالإيطالية: cantata “غنى، أغنية”) صنف من التآليف الموسيقية الغربية يوضع لصوت واحد أو أصوات كثيرة، تكون مرفوقة بعزف آلات موسيقية.
من أعمال الموسيقار الألمانى كارل أورف، والتى قدمت أول مرة في عام 1937 وهي تستند إلى 24 قصيدة وجدت في القرون الوسطى تعود لعام 1280. كتبت هذه النصوص بمعظمها باللغة اللاتينية ومن خليط من الألمانية البافارية الجنوبية والعامية الفرنسية القديمة. وتتنوع مواضيعها بين الدين والحِكم وأغاني السكارى وأغاني الحب العاطفية والماجنة. كانت أفضل حركة معروفة هي القطعة الأولى
Ō Fortūna
أو فورتونا (مناجاة لآلهة القدر).
وتعني كلمة كارمينا بورانا أغاني بويرن وهو عنوان لكتاب ضم المجموعة الكاملة للقصائد العلمانية اللاتينية التي كتبها شعراء مختلفون في مطلع القرن الثاني عشر الميلادي. ويبلغ عددها ما يقارب 250 قصيدة. وقد جمع الشاعر الألماني يوهان أندرياس شميلر المجموعة وطبعها عام 1847
يقسم هذا العمل بشكل رئيسي إلى ثلاثة أقسام، تحت عناوين: الربيع، في الحانة، ومحكمة الحب. وتمزج القصائد بين الطهارة واللذة في التعامل مع متع الحياة الدنيا، بروح من السذاجة والتسليم اللذان كانا في جوهر النظرة إلى الموت والآخرة في القرون الوسطى. وتتمحور فكرة هذه النصوص بمعظمها حول دوران عجلة القدر. ففي كل مشهد وأغنية تدور عجلة القدر فتتحول البهجة إلى حزن وينقلب الإمل إلى مرارة.
تبدأ المتتالية بمقدمة تناجي ربة الأقدار فورتونا ربة الحظ والثروة والإنتقام وسيدة القدر عند الرومان. وهي الصورة الأخرى لكلمة فورتومنا التي تعني المنقلب لأن فورتونا تقلب عجلات السنة الضخمة فتوقفها على السعادة أو الحزن أو الحياة أو الموت.
وتبدو فورتونا هنا المتحكمة بالمصائر والأقدار، ربة الحياة الدنيا بما فيها من أحزان وويلات، ومتع ومسرات، حيث تتناول القصائد متع الحياة الدنيا في أشكالها الأربعة: (الحكم) في المقدمة، و(الشباب) في القسم الأول الربيع، و(الخمر) في القسم الثاني في الحانة، و(الحب والنساء) في القسم الثالث محكمة الحب. وحيث أن عجلة الفورتونا دائرة أبداً، فلا شيء من المتع والملذات له الأزلية والدوام، ولا يبقى إلا ربة الأقدار تدير عجلتها كيفما تشاء في دورة أزلية في حياة ومصائر البشر، لتختتم هذه المتتالية بذات المقدمة التي بدأت بها.
كانت الموسيقى الكلاسيكية منتشرة فى ثنايا افلام الأبيض وأسود والتى توسع فى توظيفها المخرج الراحل عز الدين ذو الفقار .
فكان توظيفه لموسيقى تشايكوفسكى والخمسة الكبار
الذين جاؤوا بعد جلينكا (رائد الموسيقى الروسية).
ريمسكي-كورساكوڤ و ميلي بالاكرييڤ وألكسندر بورودين وسيزار كوي ومودست موسورگسكي والذى اشتهرت مقطوعته
Night on the bare mountain
او الليل على الجبل العارى
كخلفية عندما تتصاعد احداث الاثارة فى الأفلام .
جاء فيلم أين عمرى للفنانة ماجدة الصباحى ليوظف فى الخلفية موسيقى موسيقار النرويج الكبير
إدفارد جريج
ومقطوعة الصباح
The morning
أو الصباح
وهى صورة موسيقية كتبها الملحن النرويجي البارز خلفية للدراما الفلسفية لرائد المسرح النرويجى لهنريك
إبسن
“Peer Gynt”
بيرجنيت
، ورسم صورة رائعة لصحوة الطبيعة الشمالية .
كل هذه الموسيقى التى تتقافز فى أذنى دفعتنى لأبحث وأقرأ فى الموسيقى
فكانت كتابات
السندباد المصرى
الدكتور حسين فوزى
فى كتابيه
الموسيقى الكلاسيكى وبيتهوفين
خطوة على الفهم والإستمتاع بهذه الموسيقى الساحرة .
تعرفت بعدها فيما تعرفت على أعمال موسيقيين كبار فمن بروكنر الى جوستاف ماهلر الى بروكيفيف وديمترى شوستاكوفيتش وسيرجى رحمانينوف وتشايكوفسكى نجد ان هذه الموسيقى تدين بالفصل الى البناء المحكم لقالب السوناتا والتى تتميز بها الشعوب الجرمانية لتجد انعكاساً لهذه البناءات المحكمة فى اجيال من الموسيقيين الروس والذين يتميزون كشعب بمزيج من الإبداع والحرص على منظومة البناء .
على العكس لا نجد لدى الإنجليز موسيقيين كثر بإستثناء
إلجار وانيجما مع كونشرتو التشيللو الشهير
بينما تأتى أمريكا فى ذيل الموسيقى الكلاسيكية وجريشوين بمقطوعاته على البيانو .
كانت أولد سبايس بتوابلها القديمة مفتاح تعرفى على الموسيقى الكلاسيكية ، قبل ان تتسلل حرب الأفيون التاريخية التى اجتاحت وطننا المصرى العربى ، فى موجاتها الدينية بتعاطى دينى تغييبى رجعى ، وموجاتها الثقافية بتصدر كتاب الوجبات السريعة أمثال السيد أنيس منصور ، او المتدروشين بعد إلحاد سطحى ساذج أمثال الطبيب مصطفى محمود فيؤسس لاخطر مدرسة تقويضية تعاور حاضرنا ومستقبلنا ألا وهى مدرسة منهجة الدجل علمياً .انتهاءا بالأفيون الموسيقى تحت دعاوى ( ان نفصل وتغيير المود ) لننتهى لموسيقى بنت الجيران .
التعليقات مغلقة.