” توت توت” قصة قصيرة بقلم الأديب الروائي محمود حمدون “من وحي الصورة”
لا تعجب من تغيّر حالي, تغيّرت بالفعل لكن ليس معك بل مع نفسي أولًا ثم باقي الناس, لقد استبدلت الصورة بالتحية التقليدية فلم أعد أنطقها بلساني أو ألوّح بيدي أو أهز رأسي, رأيت أن الصورة بها ما يكفي ويفيض. فكثير من البوح لا داعي له, كما تفقد أطنان الكلمات معانيها بتكرارها مع مرور الوقت.
هاك يا سيدتي قطار, يبدو للرائي من بعيد أنه لعبة من التي يلهو بها الأطفال, ربما كان كذلك, غير أنه لصاحبه بضعة أحلام مؤجلة وكثير من ذكريات مخبأة بداخله. يُصرّ على السير بنفس الطريق على نفس القضبان الصدئة, أحصيتُ المحطات الواقعة على جانبي الطريق, سجلت همسات وخلجات كل من انتظر على أحد أرصفتها, أو ودّع مسافرا لغايته.
غير أني وقطاري نحمل من الألم والأمل القدر اليسير. أخلطهما صبيحة ومساء كل يوم ببعضهما كعطّار يعكف على تركيبة من أعشابه لشيخ يبحث عن ما يقيم صُلبه, أو ترياقِ لعجوز تتشبث بالحياة.
يا سيدتي, هذا قطار يقف على محطة الصبر غير أنه لن ينتظر طويلًا. لا يأبه لمن يقترب ليرى, لا يعنيه من ينظر باستخفاف لصغر حجمه أو يشاور عقله ليستقله, فما كانت القلوب بأحجامها لكن بقدرتها على القبول وما تحويه من دهشة وشغف.
التعليقات مغلقة.