توضيح في معنى حرف الجر الزائد
د.وجيهة السطل
طابت أوقاتكم.
قال الله تعالى:
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}سورة الأحقاف /٣٣
بقادر: الباء حرف جر زائد نحوًا، لتوكيد النفي بلاغيّا
ويجر لفظًا.
قادر: اسم مجرور لفظًا مرفوع محلًا على أنه خبر أنّ .
كان هذا إعرابي للفظ (بقادر)في أحد منشوراتي . وجاءني سؤال أحدهم:
وهو عَلَم في اللغة العربية ومعلم لها..كيف جاء حرف الجر زائدًا، ولم يسبق بنفي ؟
أرجو الشرح والتفسير .
وهذا ردي:
بوركت وأحسنت الاستفسار، وجزاك الله كل خير .
فعلًا طلبت الشرح والتفصيل،على ما أنت عليه من معرفة للجواب حتمًا ،وذلك ليستفيد الجميع، فالشكر الجزيل لك..
ألا ترى معي أنّ امتداد مظلة النفي للجملة، التي سبقت الجملة الاسمية ،ووصول تأثيره إلى الخبر، قد أجاز اقترانه بالباء حرف جر زائدًا؟وهذا يرجح ان تكون جملة ( ولم يعيَ بخلقهن) اعتراضية . وهو أقوى أيضًا للمعنى القرآني.
واستطرادًا ولمزيد من التوضيح، نذكر ما قاله العلماء في ذلك:
دخلت الباء الزائدة لاشتمال النفي الذي في أول الآية على أن وما في حيزها
” أَوَلَمْ يَرَوْا ….” قال الزجّاج: لو قلت ما ظننت أن زيدًا بقائم جاز .
وكأن المعنى في الآية: أليس الله بقادر. ألا ترى إلى وقوع بلى مقررة للقدرة على كل شيء من البعث وغيره لا لرؤيتهم» وقال أبو حيان في التعقيب عليه: «والصحيح قصر ذلك على السماع» .
وقال ابن هشام: قد يعطى الشيء حكم ما أشبهه في معناه أو لفظه أو فيهما، فأما الأول فله صور كثيرة،إحداها دخول الباء في خبر إن في قوله تعالى:
(أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهنّ بقادر)، لأنه في معنى أو ليس الله بقادر. والذي سهل ذلك التقدير تباعد ما بينهما ، ولهذا لم تدخل في قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا }الإسراء/٩٩ .
ومثله إدخال الباء في كفى بالله شهيدًا لما دخله من معنى اكتف بالله.
أما مصطلح[ الزيادة] ، فنقول في إعرابها زائدة للتوكيد .والزيادة هنا تعبير نحوي اصطلاحي. أي أن زيادتها لغاية بلاغية لا أن دخولها في الكلام وخروجها منه واحد.
وقد كان للنحويين النصيبُ الأكبر من الكلام في هذا الباب، ولكنهم قصروا كلامهم في الأعم الأغلب على الوظيفة النحوية وصحة التركيب، ولم يتعرضوا للوظيفة البلاغية إلا نادرًا.
وعلى أن أكثر النحويين ذكروا في كلامهم تعبير الزيادة في القرآن وكلام العرب، فإن مرادهم بذلك أنها زيدت لضرب من التأكيد كما قال ابن يعيش، ويعبرون عنه بالصلة لأنها يتوصل بها إلى زنة أو إعراب لم يكن عند حذفها كما قال ابن الحاجب، أو لتزيين اللفظ واستقامته كما قال السيوطي.
وأما البلاغيون فقد تعرضوا لهذه المسألة إجمالًا وتفصيلًا
أما التفصيل فقلَّ أن ترى آية في كتاب الله- عز وجل- تحتمل الزيادة في إعرابها، إلا ووجدت كلاما فيها للمفسرين، وخاصة أصحاب الاتجاه النحوي والبلاغي؛ كالزمخشري وأبي حيان والسمين الحلبي والألوسي وابن عاشور.
وأما الإجمال فقد اتفقت كلمتهم أو كادت على أن الكلام البليغ يمتنع أو يندر أن يوجد فيه الزيادة المحضة التي يكون دخولها كخروجها، فإذا كان هذا من شروط الكلام البليغ فهو في القرآن الكريم أولى. ولذلك نبهوا على أن القرآن لا يحتوي على شيء زائد، ونبهوا على أن النحويين إذا ذكروا الزيادة والحشو ونحو ذلك فإن مقصودهم بذلك ضبط قوانين الإعراب، وأن حذف هذه الحروف لا يخل بالإعراب، ولا يخرج الكلام عن قوانين العربية. ويبقى بعد ذلك بيان الفروق الدقيقة بين معنى الكلام بالزيادة ومعناه بغيرها، وتلك وظيفة البلاغي.
تحياتي
التعليقات مغلقة.