ثقافة الإلغاء تُلغينا
بقلم الأستاذ أحمد العزة
لولا وجود عكس المعنى لما كان للمعنى معنى” فلولا نقمة الشر لما علمنا نعمة الخير ولولا الحزن العارم لما بكينا من فرح قادم ولولا كل هذا التناقض لما ادركنا جوهر الشيء وكنهه جماله وقبحه، ولنختصر الكثير لولا وجود الضد لما كان للمعنى وجود،لكن المضحك المحزن في آن واحد هي محاولة الغاء الآخر بمجمله الكلي إلغاء فكره طرحه شخصه ونصه،وقد تصل الى وجوده بحج واهية وبذرائع غالبا ما تكون مفتعلة ناتجة عن الخوف بشتى تشكلاته وهذا ما يقودنا بالضرورة إلى طوفان من الغرق المعنوي للفكر الانساني عبر إطار واحد فكر واحد رؤية واحدة.
أكاد أجزم لو وضعنا طفلين في حديقة ستجدهما بكل تاكيد يلعبان معا،لن تجدهما يفترقان على الدين او العرق او الحزب او الرأي انما يمكن أن يضربا بعضهما إن اختلفا على { لعبة} كذلك ثقافة الإلغاء، فلا يمكن لأحد أن يدعي حمل الحقيقة حتى الحقيقة نفسها يمكن أن تكون وجهة نظر.
ولو أعدنا قراءة التاريخ مرة اخرى سنجد أن الالغاء فعل يرتد على صاحبه حتى في أعتى النظم المستبدة والقوية استطاعت تحجيم الآراء الاخرى لكنها تحولت إلى خلايا نائمة تنتظر متربصة لحظة ضعف لتنقض على ملغيها كالأسد الضروس الجائع في اللحظة الحاسمة، والتاريخ لا يعيد نفسه بل نحن من نعيد غباءنا لأن جميع الصراعات قادمة من ثقافة الغاء الآخر وتحجيمه وقمعه بشتى الوسائل المباشرة وغير المباشرة .
لاحظت حديثا بأن هذه الثقافة أصبحت شائعة مستساغة كالخبز والجبن والنبيذ بل ومحببة مما يجعل التعامل بين أفراد المجتمع نابع من صورة ذهنية مسبقة عن الخلفية الايدولوجية المنبثق منها الفرد وهذا ما يخلق لدى الأجيال الناشئة ضعف نقدي موضوعي لعدم قدرتهم على تقبل المعتقدات المختلفة أضف إلى حالة الكره والحدية التي يمكن أن تتطور الى حقد وبالتالي إقصاء والغاء مما يفتح أمامنا كل أبواب العنصرة/الاضطهاد الفكري ولنا في الانقسام الفلسطيني مثال. يجدر الذكر ؛ قد تبيح الضرورة أحيانا الغاء بعض من كل خصوصا اذا كانت هذه الافكار غير منطقية/إنسانية … لكن المعضل هي محاولة بناء مغالطات منطقية للنيل من الآخرين.
أحيانا ومن باب تبلى بحال من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا أقول: لو أن احدهم صعد على سفينة الطوفان وخرقها لكان أراحنا من ترهات هذا الزمكان الكئيب والله المعين.
فلسطين /رام الله
15/8/2021
التعليقات مغلقة.