ثورات الربيع الأوروبي..بقلم د.أحمد دبيان
ثورات الربيع الأوروبى
د.أحمد دبيان
عام ١٨٤٨ كان عاماً عاصفاً على القارة التى تسمت على اسم
Europa
والتى اختطفها زيوس كبير الآلهة،
كانت يوروبا زوجة الملك مينوس ملك كريت ، من أصول فينيقية.
جاء عام ١٨٤٨ لتشتعل ثورة فى واحدة من اصغر بلاد القارة العجوز ، جزيرة صقلية على حكم آل بوروبون الاستبدادىً، ولتنتشر الثورة كالهشيم فى أوروبة كلها ،
كان المحرك الفعلى هو ثورة الفرنسيين عام ١٨٤٨ ، والتى جاءت لتعصف بالملكية الردة ، والتى جاء فيها دوق أورليان بأمر الشعب وباختياره ، فانتهى الأمر بان رسخ لمصالح البورجوازية ورجال الأعمال ،
فكانت الثورة لترسيخ مبادئ عدالة اجتماعية افتقدتها الشعوب ،
انتشرت الثورة لتشمل خمسين بلدا من بلدان القارة العجوز ، بدون تنسيق فيما بينها ،
كان المحركون ، طوائف من الاصلاحيين والاشتراكيين ، ومن جأروا من الحكم الملكى الاستبدادي ومن طمحوا فى مزيد من الديمقراطية التمثيلية وحرية الصحافة .
قادت الطبقة المتوسطة والعمال والاصلاحيون الاحتجاجات ،
وكان القمع دموياً واستشهد عشرات الآلاف ، وتم نفى أضعافهم .
وعلى قدر عظمة الاستشهاد والكفاح لم يتناسب الحصاد معه طرديا .
تم إلغاء السخرة فى النمسا والمجر والتى كانت تحيا فى اقطاع السخرة والقنانة .
وتم الإطاحة بالحكم الاستبدادي الملكى فى الدانيمارك ،
وتم زيادة التمثيل الديمقراطى فى هولندا .
كان للثورة خلفياتها الاجتماعية والأيديولوجية فقد احدثت التغيرات التقنية ثورة في حياة الطبقات العاملة. وساهمت الصحافة المتميزة بشعبيتها في نشر الوعي وبرزت قيم جديدة وأفكار مثل الليبرالية الشعبية والقومية والاشتراكية. كما أكد بعض المؤرخين أن االنقص الفادح في إنتاج المحاصيل وخاصة في ١٨٤٦ كان سببا في انتشار الفقر والبلاء في أوساط الفلاحين والعمال القاطنين خارج المدن.
كانت كل من الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة تتقاسمان نفس الرغبة في الإصلاح وتتفقان على الكثير من الأهداف المحددة. غير أن المشاركة في الثورة شكلت نقطة التباين. إن الطبقة الوسطى هي التي بادرت بخلق الجو أكثر تحفيزا وقوة وحركة، غير أن دوي مدافعها انطلق من الأسفل “الطبقة الدنيا”. فاندلعت الثورات أولا في المدن.
بدأت الطبقات الوسطى بالإحتجاج. وقد بدأ كلا من كارل ماركس وفريدريك إنجلز الذان كانا في بروكسل بكتابة بيان الحزب الشيوعي والذي نشر باللغة الألمانية في لندن يوم ٢١ فبراير ١٨٤٨
بناء على طلب الرابطة الشيوعية “وهي منظمة تتألف أساسا من العمال الألمان”. ثم بدأوا بالتحريض داخل ألمانيا بعد تمرد مارس في برلين. وأصدروا من باريس “مطالب الحزب الشيوعي في ألمانيا” في مارس ،حيث حث الكتيب على توحيد ألمانيا والاقتراع العام وإلغاء الإقطاعية وبعض الأهداف التي تنشدها الطبقة الوسطى.
حدثت أول بداية لثورة كبيرة في صقلية والتى بدأت في يناير ١٨٤٨ وكانت هناك عدة ثورات سابقة ضد حكم البوربون؛ نجحت الأخيرة منها في إيجاد دولة مستقلة لمدة ستة عشر شهراً قبل عودة البوربون. خلال تلك الشهور، كان الدستور متقدما جدا لوقته في صياغة المصطلحات الديمقراطية الليبرالية، كما كان هناك إقتراح للكونفدرالية بين الدول الإيطالية. وقد انعكست تلك الثورة الفاشلة بعد اثني عشر سنة عند انهيار مملكة الصقليتين البوربونية في ١٨٦٠-١٨٦١ومع توحيد إيطاليا.
ثم اندلعت “ثورة فبراير” في فرنسا من خلال قمع مخيم ملتقى سياسي. وقادت المثل الوطنية والجمهورية تلك الثورة بين عامة الفرنسيين، الذين آمنوا بأن الشعب يجب أن يحكم نفسه. أنهت الثورة حكم الملكية الدستورية للملك لويس فيليب، وقادت لإنشاء الجمهورية الفرنسية الثانية. وترأس هذه الحكومة لويس نابليون الذي أسس بعد أربع سنوات فقط الإمبراطورية الفرنسية الثانية في ١٨٩٣.
ثم جرت “ثورة مارس” في الولايات الألمانية في جنوب وغرب ألمانيا، حيث التجمعات السكانية الكبيرة والمظاهرات الجماهيرية، وقادها الطلبة والمثقفين المتعلمين فطالبوا بالوحدة الوطنية الألمانية وحرية الصحافة وحرية التجمع. ولم تكن الانتفاضات منسقة تنسيقا جيدا، ولكن كانت متفقة في رفض الهياكل السياسية الاستبدادية التقليدية في ٣٩دولة من دول الاتحاد الألماني. أما الطبقة الوسطى والطبقة العاملة فهم عناصر في تقسيم الثورة، وقد انهزمت الثورة في النهاية أمام الطبقة الأرستقراطية المحافظة، مما أجبر العديد من الليبراليين للخروج إلى المنفى.
كانت هناك تحليلات متباينة لتلك الثورات.8
فقد نظر الديمقراطيون إلى سنة ١٨٤٨ بأنها ثورة للديمقراطية، مما ضمن على المدى الطويل الحرية والمساواة والإخاء. بينما ندد الماركسيون بتلك السنة وعدوها خيانة لمثل الطبقة العاملة من برجوازية غير مبالية للمطالب البروليتاريا المشروعة. أما القوميين فقد كانت سنة ١٨٤٨ هو ربيع الأمل لهم عندما رفضت القوميات حديثة النشأة تلك الإمبراطوريات الحاكمة متعددة الجنسيات القديمة. فقد أصيبوا جميعا بخيبة أمل مريرة، ولكن على المدى القصير.
لم يتغير في عقد مابعد ثورة ١٨٤٨سوى القليل، حيث اعتبر معظم المؤرخين أن تلك الثورات فاشلة، نظرا لعدم وجود تغييرات هيكلية دائمة على ما يبدو. ومع ذلك فقد كان هناك بعض النجاحات الفورية لبعض الحركات الثورية، ولا سيما في أراضي هابسبورغ. فقد قضت كلا من النمسا وبروسيا كما قدمنا على الإقطاع بحلول عام ١٨٥٠، مما حسن من أوضاع الكثير من الفلاحين.
وأيضا حققت الطبقات الأوروبية الوسطى مكاسب سياسية واقتصادية على مدى العقدين التاليين؛ فتمكنت فرنسا من الإحتفاظ بالاقتراع العام للذكور. وقامت روسيا لاحقا بتحرير القنانة في ١٩ فبراير ١٨٦١. وبالنهاية كان على ملوك هابسبورغ إعطاء المجريين مزيدا من الحرية وتقرير المصير .
ألهمت تلك الثورات قيام الدنمارك بعملية إصلاح دائم، بالإضافة إلى هولندا. وألهمت ثورات ١٨٤٨ إلى قيام تشيلي بثورتها في ١٨٥١.
فى كل الاحتجاجات والثورات تلك كان لغياب العدالة الاجتماعية وتوحش الرأسمالية واستغلالها وإفقارها للشعوب السبب الأكبر فى انتفاضة المهمشين ، فى عرض يتكرر لداء لن تتم معالجته الا بمعرفة اصله والاعتراف بوجوده ثم العمل حثيثاً على استئصال مكامنه.
التعليقات مغلقة.