جزر المالديف دولة مسلمة لا نعرف عنها الكثير .. وتاريخها الموثق هو أقرب إلى الأساطير …. إعداد د. وجيهة السطل
جزر المالديف دولة مسلمة لا نعرف عنها الكثير .. وتاريخها الموثق هو أقرب إلى الأساطير …. إعداد د. وجيهة السطل
أول نشر لهذا المقال كان في عام ٢٠١٧ من قبل الدكتورة وجيهة السطل في عدة مجموعات على الفيس بوك منها : سفينة البلاغة و بستان العربية و في عام ٢٠١٨ بمجموعة لغتنا الجميلة لآلئ و درر و في مجموعة لغتي حياتي ٢٠١٩
جزر المالديف دولة مسلمة تقع في المحيط الهندي .. وهي مجموعة جزر صغيرة يبلغ عددها 1190 جزيرة .. والمأهول منها 200 فقط .. اسم عاصمتها ماليه .. كانت محمية بريطانية واستقلت في عام 1965 م .. يبلغ عدد سكانها 309 ألف نسمة كلهم مسلمون ..
وشعب المالديف متدين يحب الإسلام ويحرص على الآداب الإسلامية , فالسلوكيات الإسلامية تبدو واضحة للعيان , فالحجاب منتشر , ويحترم السكان الأذان , ويقبلون على المساجد , وتغلق المطاعم نهارا في شهر رمضان , وتُمنع المجاهرة بالفطر فيه .
وتوجد هيئة عليا لمراقبة التطبيق الصحيح لأحكام الشرع الإسلامي في جميع المحاكم .
ويقوم رئيس الدولة بإلقاء خطبة الجمعة ، وإمامة الصلاة بالناس ، وإلقاء الوعظ والإرشاد في المناسبات الدينية والاجتماعية ، كما يقوم بإلقاء الدروس والنصائح في الإذاعة والتلفزيون , بالإضافة إلى تدريس بعض المواد الدينية في كلية الدراسات الإسلامية ، وكذلك يقوم رئيسهم بإصدار صحيفة دينية أسبوعية باسم (سبيل الدين) منذ ثمانية عشر عاماً . وأكثر أعضاء الحكومة في المالديف من خريجي الجامعات الإسلامية ومنهم وزير الحج ..
نسبة الأمية في تلك البلاد طفيفة جداً لا تتجاوز 2% .. ورغم أن اللغة الرسمية ليست العربية إلاّ أنه لا يوجد بين السكان من لا يستطيع أن يقرأ في كتاب الله تعالى بنفسه .. وذلك بفضل مدارس تعليم القرآن الكريم ..
تعتبر السياحة المصدر الثاني للدخل القومي بعد الصيد , والسياحة في ذلك البلد مضرب المثل فهي لا ابتذال فيها ولا تنازل عن المبادئ الإسلامية .. فيُمنع تقديم الخمور للسياح , ويُلزم السائح باحترام قوانين البلاد الإسلامية , فلا يوجد عري ولا خروج على الآداب العامة .
وقد خصصوا للسياح أربعة وثمانين جزيرة منعزلة للسياحة فقط ولا يسمح للسائح أن يذهب إلى الجزر المأهولة بالسكان المسلمين إلا إذا التزم بالآداب الإسلامية , ولا يسمح له ولا لغيره بإظهار الإفطار في نهار رمضان .
وعلى صرامة تلك القوانين فقد انتعشت السياحة هناك كثيرا ووصل عدد السياح عام 2007 م إلى أكثر من ثمانية مليون سائح , وهو رقم ضخم جدًّا بالمقارنة مع عدد السكان الذي لا يتجاوز ثلاثمائة ألف .
نأتي إلى قصة دخول الإسلام إلى تلك البلاد .. وهي قصة أقرب إلى الأساطير ..
دخل الإسلام إلى تلك الجزر في بدايات القرن الخامس الهجري ( عام 1153م ) عندما وصل إلى شواطئها شاب مسلم حافظ للقرآن الكريم، هو أبو البركات يوسف البربري من بلاد الأمازيغ في المغرب الإسلامي. يقال إن السفينة التي كان يُبحر بها تحطّمت قبالة إحدى تلك الجزر .. وقذفته الأمواج إلى الشاطئ ، حيث عالجه واعتنى به أحد الصيادين مع أسرته .
أما كيف دخل الإسلام بفضله إلى تلك الجزر ،فالقصة أقرب إلى الأسطورة على صحتها . وقد وثّقها الرحالة ابن بطوطة في كتابه (تحفة النُظّار في عجائب الأمصار وغرائب الآثار ) .. والقصة منقوشة على لوحة جدارية بجانب الجامع الكبير في ماليه ..
وقد رواها الرحالة ابن بطوطة “على لسان أهل جزر المالديف، وكان ممن تولى القضاء بهذه الجزر مدة، يقول: “حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم، أن أهل هذه الجزائر كانوا كفارًا، وكان يظهر لهم في كل شهر عفريت من الجن، يأتي ناحية البحر، كأنه مركب مملوء بالقناديل. وكانت عادتهم إذا رأوه، أخذوا جارية بكرًا فزينوها وأدخلوها إلى موضع اسمه “بدخانة”. وهي بيت الأصنام، وكان مبنيًا على ضفة البحر، وله طاق ينظر إليه، ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة ميتة. ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته.
ثم إنهم قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري، وكان حافظًا للقرآن العظيم، فنزل بدار عجوز منهم بجزيرة المهل، فدخل عليها يومًا، وقد جمعت أهلها، وهن يبكين كأنهن في مأتم. فاستفهمهنَّ عن شأنهن، فلم يفهمنه. فأتى بترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها، وليس لها إلا بنت واحدة، سيقتلها العفريت.
فقال لها أبو البركات: أنا أتوجه عوضًا من بنتك بالليل. وكان سناطًا(أمرد) لا لحية له، فاحتملوه تلك الليلة، وأدخلوه إلى “بدخانة”، وهو متوضئ. وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريت من الطاق، فداوم التلاوة، فلما كان العفريت منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر. وأصبح المغربي، وهو يتلو على حاله.
جاء أهل الجزيرة في الصباح، ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها، فوجدوا المغربي يتلو القرآن .فمضوا به إلى ملكهم، وكان اسمه ( شَنُورازة )، وأعلموه بخبره، فعجب.
وعرض المغربي عليه الإسلام، ورغبه فيه. فقال له أقم عندنا إلى الشهر القادم، فإن فعلت كفعلك، ونجوت من العفريت أسلمت. فأقام عندهم.
وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته. ثم حُمل المغربي لما دخل الشهر إلى “بدخانة”، ، فجعل يتلو حتى الصباح. ولم يأت العفريت ، وجاء السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة، فكسروا الأصنام، وهدموا “بدخانة”، وأسلم أهل الجزيرة،
ولان الناس على دين ملوكها كما يقال، فقد بعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلها ، وأصبح الإسلام دينهم الوحيد حتى يومنا هذا.
وأقام أبو البركات المغربي عندهم مكرّمًا معظَّمًا، وتمذهبوا بمذهبه مذهب الإمام مالك رضي الله عنه وهو مذهب أهل المغرب. وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبنى مسجدًا معروفًا باسمه، وقرأت على مقصورة الجامع منقوشًا في الخشب أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي. وجعل ذلك السلطان ثلث مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل، إذ كان إسلامه بسببهم”.
لم يكتف السلطان بذلك، بل أمر بإنشاء المساجد والمدارس الإسلامية ،
وأشرف أبو البركات على بنائها عشرات المساجد في جميع أنحاء الجزر،.
وقام بنفسه يعلم الناس أحكام الإسلام، ولا يزال منزل أبي البركات البربري بجزيرة كندهو وسط جمهورية المالديف سليمًا كما بناه، وكذلك قبره الذي دفن فيه داخل مبنى فخم بني على قبره عام 1956م ويوجد في أرقى شوارع العاصمة “ماليه” حيث يزار باستمرار ولا يمر أحد أمام قبره إلا ويرفع يده إلى الله بالدعاء له بالرحمة والقبول حتى الآن.
التعليقات مغلقة.