جسر السلوان…
بقلم.. مجدي ســـالم
لماذا ننسف كل الجسور.. والطرق المؤدية إليها
نتأكد أنها قد قبعت فتاتا في طين قاع النهر
ونصفع الأبواب في وجه أناس أحبونا
لا نترك لهم فرصة واحدة ليعودوا
ثم نقترن بأناس غرباء آخرين
لم يكن لنا يوما بهم صلة
وننشر الصور نكذب
لا تصدق كذبنا
دموعنا..
أذعت بين الرفاق.. كاذبا.. أني قد بنيت بيني وبين مستقبل أيامي جسرا فوق آتون حبي القديم..
وأن جسري المزعوم قد عبر بي إلى ضفة أخرى.. إلى ما أسميته “واحة السلوان”..
وحاولت طوال عمري كاذبا.. أن أقنع كل حواسي أنه جسرٌ عتيد قد حملني ومشاعري الجريحة من بيدِ وتصحر الأماني.. ومن لهيب الهوان وجروحه وندوبه إلى ضف نهر النعيم.. إلى وارف واحتي المزعومة.. وفي قراري.. كنت في زعمي الأعلم بإنني قد شيدت جسرا متهاويا من أطلال واهن قواي.. على أمل أن يعبر مع رحيل الأيام بقلبي الطريد من الجنة.. إلى نسيانها.. وأن ينأي بروحي الجريحة بعيدا عن جحيم الهوى.. بعيدا عن أطلال قصوري التي شيدتها من بقايا أصدافي الهشة إلى سكينة السلوان.. على “جسر السلوان”..
وانطلي كذبي على كل شيء بنجاح لا نظير له.. إلا على قلبي.. إلا على ليل العذاب.. كان نومي الضحية.. كان فراشي الوثير بعضا من حصى خشن اختلطت حباته بالرمال.. لا يستقر لي عليه جنب.. كان قلبي لايعرف من الفصول غير الشتاء.. ذبلت ملامح شبابي رغما عني مع طول السهر.. وتكراره.. حتى أن الرفاق راحوا يتندرون بذلك السواد الذي يحيط بعيوني المرهقة المسهدة.. يتباكون على “جسر السلوان” الذي وعدتهم يوما أن يحملني بعيدا عن شجي عواطفي.. تلك المشاعر التي راحت تعصف بقلبي سرمدية الهبوب.. وتحمل في حناياها أطنانا من ذكريات معها لها وخز زجاج مهشم..
ثم أعلنت انهزامي مع مرور السنين.. فما عاد بإمكاني أن أخفي عن رفاقي أن جسري المزعوم قد انهار.. وأن الجسر الهزيل لم تفلح معه كل محاولات الإصلاح المضنية كي يبقى صامدا.. فراحوا يتندرون في جلساتنا في جدهم هزلهم بذلك الصديق صريع الهوى وبالوحدة القاتلة الذي ذهب به وبجسره من نعيم وبساتين الحب إلى الجانب القصي من صحراء الغدر.. وإلى براثن الغرور بالكرامة الزائفة.. وكنت أتفادى لقياهم في معظم الأحيان حتى لا أسمع ساخر وصفهم لبساتين الزهر اليانع الذي ذبل في وادي السلوان الخصيب..
الحقيقة المرة أنها ظلت زائري الذي أضطر إلى استضافته في أي لحظة من ليل أو نهار.. وكان كل شيء فيها رفيق سهادي.. كنت وحدي أعرف أنني أبحث عن عينيها في كل العيون نهارا.. وأهب من غفواتي النادرة في ليال الطويلة.. أنادي.. سعادي.. سعاد.. التي كانت صريحة جدا يوم رفضت قلبي وودي.. يوم كنت مغرورا ومخطئا جدا وتخيلت أنها أبدا لن ترفض حبي..
ثم في يوم عابر.. جاءني في عملي رجل نحيل متهدل في عمل ما.. كان هزاله باديا فأخفى عني لبعض الوقت كيف كانت ملامحه في شبابه.. ثم غادر.. ثم عاد ثانيا وثالثا في حاجته.. كنت أتفرس في ملامح وجهه وكان يتعمد أن يدير وجهه بعيدا.. وكان يتفرس في وجهي إذا أنا أستدرت جانبا.. حتى أنني ظننت أنه يدقق في الهالات حول عيني هو الآخر.. ووجدتني أسأله في النهاية عن إسمه بالكامل فكانت إجابته مذهلة.. فرحت أتلو عليه باقي إسمه رباعيا وعنوان بيته الذي يواجه بيتها.. بيت حبيبتي.. وعرفت فيه فورا غريمي الذي فضلته علي.. عرفت فيه الرجل الذي قالت صراحة.. يوم طلبتها للزواج بي.. أنها ستقترن به.. لم تأبه يومها لإنكساري.. ولم تحركها دموعي التي فرت قسرا قيد أنملة واحدة.. كانت عيونها التي عشقتها هي أقسى عيون رأيتها في حياتي..
سارعت أسأله…. فلم يتردد.. زاهيا.. في الرد….
- إنت اتجوزت سعاد أبو الذهب..؟.
- لأ طبعا.. ماما.. ماما.. ما رضيتش..
التعليقات مغلقة.