“جنة الأرض ” قصة قصيرة بقلم الأديب/ أحمد فؤاد الهادي
براح لانهائي .. آفاق رحبة … أشجار مزدهرة مثمرة ومزهرة .. أنهار تجري بمياه ليست كالمياه … تفوح منها ريح زكية وعذوبة تكاد العين أن تراها … هدوء يزينه تغريد طيور بديعة الألوان …
أراهم قادمين من الأفق البعيد .. نعم .. فهذا زوجي يتبعه ولداي وابنتي … الآن تبينت ملامحهم جيدا .. ماكل هذا الضياء المنبعث منهم؟ هل صاروا ملائكة؟ لقد استشهدوا جميعا في يوم واحد قبل أن ينهار البيت فوق رأسي وأنا أنتحب لفقدهم …البيت الذي سترني لسنين طويلة صار ركاما وكتلا خرسانية وصار جسدي كشظية من شظاياه … ترى كم مر علي من الوقت هنا؟
ولكن يبدو أننى لست هناك! فأنا لاأشعر بوطأة الركام ولا بخنقة الغبار!
لقد ذهب الجوع والعطش دون أن أتناول طعاما أو أرتشف ماء!
أتراني قد استشهدت كأسرتي؟ وإلا لماذا أنا بينهم هنا؟ ماأجمل الاستشهاد.
سياتي ولدي الصغير إياد ليسقيني من كأس من الفضة وقد صار إياد ناصعا براقا كحبة اللؤلؤ … لاأدري: هل سأستطيع ضمه إلى صدري أم أن ذلك شيء مستهجن هنا؟
هل أنا حقا في الجنة؟
آه … لاأستطيع الحراك … ترى ماذا يكبلني؟ المح شخوصا يتحركون حولي في صمت وسرعة وقد اتشحوا جميعا بالأبيض الناصع … الحياة تدب في أوصالي وكأنني يعاد ولادتي من جديد … همس يترامى إلى مسامعي … لابد أنهم الملائكة وقد صدرت إليهم الأوامر بتسكيني نزلا يليق بالشهداء .. يا الله!! إنني أسمع جيدا:
الحمد لله .. لقد تخطت مرحلة الخطر.
سنترك الأجهزة متصلة حتى تستقر البيانات.
نعم، مع المتابعة المستمرة والدقيقة.
العلاج في توقيتاته، سأعاودها بعد ساعة.
التفت إلى المسجاة أمامه وقد ملأت الدهشة ماتبقى ظاهرا من وجهها الذي اختفى معظمه خلف الأربطة والضمادات:
حمدا لله على سلامتك سيدتي.
إنه يحدثني! مازلت في الدنيا إذن! إنهم ملائكة الأرض … أنا في جنة الأرض وبين أيدي ملائكتها …
عندما دنت منها إحدى الملائكة استطاعت أن تقرأ وشاحا على ثوبها الأبيض: مستشفى العريش المركزي.
.
12/11/2023
التعليقات مغلقة.