حائطُ الذِّكرياتِ
بقلم هناء محمد
تقفُ أمام حائطِ الذِّكرياتِ، على شفتيها ابتسامةٌ مرتعشةٌ، تمسكُ بصورةٍ تُمزقُها، تُلقي بها من نافذةِ حياتِها، فتأخذها الرِّياحُ العاتيةُ، تلَّطُمُها يمينًا و يسارًا، دون رحمةٍ تصفعها حتى هوتْ على الأرض و هوت معها سُنُون مُمزقةُ الوصال، في دهشةٍ و بعينين زائغتين تُحدِّثُ ذلكَ الحائط أُريدكَ أنْ تشهد على قوتي، أرأيتَ كم أنا قويةٌ؟! يردُ عليّها نعم أنا شاهدٌ سيدتي و لكنْ على ما في قلبكِ! تبعثرت نظراتُها المُتلهفةٌ، جرت مسرعةً؛ لِتُلملم قصاصاتِ الصورة؛ لِتُعيدها لكنْ بلا جدوى، لقد فات الأوان، مشت بين الدروب حتى أوصلتها قدماها إلى بائع الكعك، عزفت ذاكرةُ الأيامِ كيف كان يحبُّ البسكويت ذا رائحة النّشادر، تقفُ أمام البائع في صمتٍ به ضجيج من الألم ثمَّ تبتاع منه علبةً كبيرةً، تعود إلى البيّت وحيدةً، عيناها تُحدِّثُ قلبَها أمازلتَ مُحبًّا عفوا بعد كل هذا الغدر و الجفاء؟! يا لكَ من قلب يعشق الشّقاءُ، تفتح بابَ شقتِها و فتحت معه سيولًا من الدموع و الخوف، فإذا بها تسمع صوت المذياع من داخل حجرة نومها، فتسقط علبة البسكويت من يديها في رهبةٍ شديدةٍ ترتجف، كأنّ الجليدَ يكسوها، تفتح باب الحجرة فإذ بها و قد تحولت إلى حديقة من زهور البنفسج و اللافندر التي تحبّها، و هو يقف أمامها يُقدِّم لها قلبًا أبيض مُزركشًا بتاريخ لا يُنسى و بصوت زفراته عمرٌ و حنينٌ و اشتياقٌ، قالت : في خجلٍ ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟ يقول لها : ساقني إليكِ حائطُ الذكرياتِ، و باتا يُغنيان معًا يا ليلةَ العيدِ آنستينا و جدِّدتي الأمل فينا يا ليلة العيد، و غنت معهما جدرانُ عشَّهما الدافئ.
التعليقات مغلقة.