موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

“حبيبي يا سمراني” بقلم محمد كمال سالم

85

“حبيبي يا سمراني” بقلم محمد كمال سالم


هذا أنا هنا من جديد…
يشدني إليها حبل سِريِّ، كما الطفل يشده حبل سُريِّ لأمه، رغم أنهم قطعوه بينهما يوم أن ولدته.
الحاج نادر: (أخيرا جيت ياعم! حانشحتك ولا إيه؟) يعانقني يقبلني في حرارة وشوق، يتأبطني لداخل معرضه الأنيق للموبيليا:
جاي تشوفنا، ولا بتدور على قصة جديدة؟ أشوفكم وآكل بسبوسة.

لا يعرف نادر، أن أثقل ما حملته من متاع حين غادرتهم، هي قصص تشظت بي هنا، نثرتني أشلاء عند كل منعطف!

دائما ما أعود، رغم المسافات البعيدة، رغم عقود مرت كثيرة، دائما ما أعود، اتحسس خطوات أبي هاهنا، أشتم عرقه بين الدروب، عينيه الجاحظتين في قلق وتوتر، سعيه المكدود خلف بطون جائعة، وحاجات عيال لا تنتهي، رغم يقيني أنه ماعاد بيننا أبحث عنه بين الزحام.
هنا فوق عتبة دكانه، شددت خيط مطاطيأستك_ على طرفي مسمارين، ثبتهما فوق خشبة عريضة، وجعلتها قيثارتي، صعدت بها إلى بيتنا أغني لأختي الكبيرة”هذه ليلتي، وحلم حياتي، بين ماض من الزمان وآت” ضحكت وقالت لي أنت موسيقار كبير.

هنا أجدها، أرى وجهها المهموم على صغارها، عينيها الحائرتين في خوف، في حرص، في صوتها اللاهث، تخبئنا في شرنقتها كدودة للقز في علبة حذاء فارغة، تحيطنا بين كفيها المرتعشتين في لهف أبدي.
ترفض هي دائما أن نرتاد الشارع وحدنا، مازلت أذكر قولتها عن أخي الأصغر علاء “ليتني قلت له لاااا، لما قال لي ألعب في الشارع شوية”
هنا أكتب بين سطوري، أناس مروا بين جوانحي، نفذوا إلى القلب ولم يغادروه.

هنا أعرف ماذا تعني كلمة وطن

قليل هنا من أصبح يشبهني، أحدهم يتفرس وجهي في الطريق، يقارن أوجه الشبه بيني وبين جدران البيوت القديمة، يعانقني، يقبلني، ثم يسألني من أنت.
هنا أبحث دائما عن قصة جديدة قديمة، ربما كان يعرف نادر هذا!
سأبدأ جولتي مثلما اعتدتها، عندما ألفت قدمي تحسس الطريق لأول مرة، والعلامات عند كل مفترق حتى لا أتوه.
أتفرس البنايات القديمة وأثر الزمن على أحجارها، نوافذها الرحبة الزجاجية، وكيف كنا نطليها باللون الأزرق، صفارات الإنذار المعلنة عن غارة جوية جديدة، جيشنا يستنزف قوات الصهاينة شرق القناة، وهم يغيرون علينا بطائراتهم، قد كانت سماؤنا مكشوفة بلا غطاء.
شباب الحي المتطوع يصيح ينادي (طفي النووور)

أقطع شارع محمد علي تستوقفني دائما محلات الآلات الموسيقية، أتمنى أن ألوز بواحدة.
أتجاوز ميدان العتبة، ملتزما على يساري قسم شرطة الموسكي، مبنى بريد مصر، الذي مازال شامخا هنا بعمارته الفريدة، وبجواره أقف هنيهة أراقب جنود الدفاع المدني في دهشة يتمرنون، ينزلقون من أعلى المطافي على عمود اسطواني من النيكل كروم في رشاقة عجيبة، ثم حديقة الأزبكية وأشجارها المُعمرة تحجب السماء بظلها الوارف، زهورها الملونة، تماما كما نراها في أفلامنا السينمائية، أرضها الخضراء، روابيها الممتدة حتى ميدان الأوبرا الخديوية القديمة، كيف احترقت؟! ومن فعل هذا؟! رأيتها يومها بعينيّ رأسي، وقد لفظت النيران مقاعدها القطيفية، وستائرها الحريرية الحمراء إلى نهر الطريق.
ثم قاصدا شارع 26 يوليوالملك فؤاد سابقاومحلات الملابس الأنيقة، تقبع خلف فاترينات زجاجية فاخرة، ثم أنعطف لليسار بعد دار القضاء العالي حتى أصل إلى كورنيش النيل، وهناك، دائما ما أقف طويلا، (آآه ياسمراني اللون، حبيبي يا سمراني)
أضع راحتيّ على سياجه الحديدي، وكأني أعانقه، أستنشق نسيمه النديّ، هو يعرف مكانه في صدري، يسري يتسلل خلال شعر رأسي ينعشني، وأغيب في نشوة لطالما ألفتها.
يتلاشى صخب المارة من حولي، يعزف في وجداني آلة التشيلو العظيمة لحن شجي، يتوغل من داخلي حتى يعب المكان ولم يعد هناك صوت سواه حبيبتي قاهرتي لن تغلبي لن تقهري
في بقعة ما على هذا الشاطئ، كان يسطحبني أخي الأكبر، لنصطاد السمك بصنارته التي صنعها بيديه من البوص، كنت طفلا صغيرا يغالبني النوم عندما يلفح وجنتي نسيم النيل اللطيف، نغادر عندما تصير صفحته ذهبية اللون، معلنة زوال الشمس.
وعند عودتنا فقدته وظننت أني قد تهت عنه ورحت أبكي بشدة، التف حولي المارة يتسائلون أين بيتكم؟ وإذا بأخي يخترق هذا الجمع يأخذني من يدي ضاحكا:
بتتوه على باب الشارع! أين علبة السمك؟
يبدو أني فقدت الكيس الورقي الذي به علبة السمك عندما غلبني النوم في التروللي باص ذلك الأتوبيس الكهربائي، كانت فارغة على كل حال…
أظنه أصبح أكثر مهارة الآن في صيد السمك دليفري من المطاعم
انعكاس الضوء فوق صفحة الماء، يموج بحكايا كثيرة كثيرة شيقة.

يوسوس لي نادر إبن خالي حسن ثانيهو ويوسف وأشرف عند باب شقتنا:
تعالى نلعب في حديقة الأزبكية، الأراجوز يرقص هناك ويغني، ونتسلق شجرة الجميز القديمة.
ونادر محنك خبير في التسكع، كل أهل الحي وأصحاب الورش يعرفونه، يتهكم ويتنمر بي لقلة حيلتي وبقائي في البيت مثل البنات، استفزني، قررت أن أتحلى بالشجاعة وأن أقتحم الشارع مثله، وفور وصولي باب البيت، إذا بحجر لا أعرف مصدره، أصابني بقصبة قدمي كطلقة من رصاص، سقطت على أثرها صارخا غارقا في دمي، لم أفق إلا محمولا في مستشفى أحمد ماهرمازلت أحمل ندبتها إلى اليوم على ساقي، لم تكن الأخيرة، ولم يعتقني نادر ونلت بسببه علقة ساخنة، لما وجدت أمي صبغة النجيلة الخضراء لحديقة الأزبكية تلطخ ملابسي، ووحلها في حذائي.
عند ميدان باب الخلق، على سور دار الكتب العتيقة، رهنت شنطة كتبي واستأجرت بسكلتة صغيرة، ورحت أجول بها الشوارع فرحا، كعصفور سجين قد أطلقوه، استضدمت بعنف في عريش عربة كاروخيل إلي أني أطير حولها مرات عديدة، لم أفق إلا وأخي مجدي يحملني في مستشفى أحمد ماهر مخضبا في دمائي، معصوب الرأس أبكي، مازالت ندبتها تختبئ أعلى جبهتي.

كلما خالفتها أجد نفسي هناك، في مستشفى أحمد ماهر!

أنت يا نادر سببا لكل جروحي والندبات في بدني ههههه. هههه، كنت أريدك فهلويا مثل ابن خالك، مش بتاع قصص هههههه
أكمل طبق البسبوسة، أنت من طلبها
لم تعد كما كانت يانادر، الله يرحم عم حسين وسمنته البلدي. الله يرحم كل جميل هنا أخي محمد.
_سلم لي يا نادر على الأهل، على صفاء، ويوسف وأشرف أولاد عمي الشامي رحمه الله.

سكتت الموسيقى وآلة التشيلو داخلي، فعاد صخب الناس من حولي وموسيقاهم الرديئة، أضطررت لقبول كوب حمص الشام من بائعها الذي يحتل الكورنيش، هي جباية أو ثمن وقوفي هنا، رغم تنبيهها الدائم لي ألا آكل بضاعة الباعة الجائلين، هي حراقة جدا.

أظن أني وجدتها قصتي الجديدة!

بطني يؤلمني بشدة
يبدو أن كوب الحمص والبسبوسة اجتمعا على معدتي فاضطربت…
آآآه تاكسي
_مستشفى أحمد ماهر بسرعة من فضلك.

التعليقات مغلقة.