موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

حبيس الضباب قصة قصيرة للأديب محمد كمال سالم

384

حبيس الضباب قصة قصيرة للأديب محمد كمال سالم

حين امتلأ جلبابه الفضفاض بالهواء, وطارت
طاقيته ولاسته من فوق رأسه وكتفيه, تذكر وقتها فقط ماضيه, أمه وعائلته, موطنه, يستطيع الان أن يتحرر.

تلاشت تلك السنوات الثلاث التي قضاها هنا, في هذا القصر المنيف, على أعلى ربوة في الساحل الشمالي.
كان يدرك لم اختاره رشدي بك هو بالتحديد, للبقاء والعمل لديه, من بين كل هؤلاء العمال الذين قاموا ببناء هذا القصر, رغم أن من بينهم من كان يفوقه عمرا ومهارة.
هو اختاره لما لمسه فيه من وحدة وانزواء دائمين, رغم نشاطه ودأبه على العمل المتواصل, عدم طلبه لإجازة كأقرانه, كان أنسبهم للانقطاع لحراسة هذا القصر, بعد انتهاء بنائها وانصراف الجميع.
كان الأمر مقبولا وشيقا في بادئ الأمر, خاصة مع بدء فصل الصيف وقدوم المصطافين, عالم غريب عنه يراه لأول مرة, بشر مختلفون جاؤوا طلبا للخصوصية والاستمتاع, ظن في البداية أنهم أجانب مثل الذين كان يشاهدهم في جنوب الوادي حيث موطنه, من أجل مشاهدة أثار الحضارة القديمة, وكانت دهشته لما وجد أنهم عرب مثله ومن بني جلدته.

يخبو صخب الحياة في القصر وعلى الربوة, والطريق المؤدي للشاطئ, كلما هم فصل الصيف للرحيل, يضع حقائب سفرهم في سياراتهم الفارهة, يغادرون دون وداع, كما أتوا دون تحية, كُثُر هم, لا يعلم أهم عائلة رشدي بك؟ أقاربه؟ مجرد مستأجرين لغرف القصر؟ لا يدري.
كان إحساسه بالنكران موجعا جدا, فهو لا يمثل لهم سوى اسم ينادونه به حين احتياجهم لخدمة ما.

يتزامن مع رحيلهم, وصول أسراب طيور بيضاء مهاجرة, تأتي من الشمال البارد طلبا لدفء سبتمبر وأكتوبر, تبدأ سلوته الوحيدة مراقبة تلك الطيور الجميلة, يذهب إلى حيث جرف الربوة شاهق الارتفاع, يشاهدهم يحلقون في الأفق البعيد, يناورون, يهبطون إلى البحر, يعودون بصيدهم من الأسماك, ينتشرون بطول الربوة وعرضها, فوق الأشجار, فوق سطح القصر, لا يقلقها شئ أو يروع أمنها, فجابر جارهم الأليف الوحيد هاهنا.

كان إذا استبد الضجر بجابر, هبط من المهبط الوحيد لتلك الربوة, قاصدا أحد بلدياته, يعمل في حراسة بيت آخر بعيدا عن الشاطئ, يشكو له وحدته, رغبته وحنينه للعودة لأهله في البلد, ولكنه كان يذكره دائما بالثأر الذي يفر منه, وأن عودته للبلد, تعني مقتله المحتوم, فيعود يائسا مستسلما لقدره.
كان قريبه هذا, يدعوه بين الفينة والأخرى لتناول وجبة ساخنة, ولأنه متزوج ومعه أطفال, كان كثيرا ما ينساه.
تتواتر الأيام ثقيلة رتيبة على جابر الشاب الصغير, لا خليل ولا مؤنس له سوى هدير البحر, يكاد يمسه الجنون, يجابه شتاء عنيفا, نوات وأعاصير مرعبة, رياح تكاد تقتلع الأشجار من جذورها, كان يحتفل بعودته للحياة, مع إشراقة كل صباح جديد.
كانت الطيور المهاجرة قد غادرت إلى حيث أتت, إلا وحيد منهم, أصيب بكسر في أحد جناحية, حالت إصابته من اللحاق بالسرب, تولاه جابر بالرعاية, جبر كسر جناحه بجذع صغير وخرقة من قماش, وقام بتمريضه إلى أن تعافى, بقي الطائر بالقرب منه غير بعيد, يسرح, يغيب, ثم يعود يحط عنده, وكان إذا عاد يداعبه قائلا:
(مش جادر تروح لأهلك لحالك؟! روح المحطة واركب الجطر ال مجبل ههههه)
عاد الصيف وعاد المصطافون, انشغل جابر في خدمتهم ومع عمال المطبخ, ولم ينشغل عن رفيقه الوحيد, يراقبه من بعيد.
دار العام دورته الكاملة, عادت أسراب الطيور المهاجرة, كاد جابر أن يصير له جناحان, يضرب بهما الهواء فرحا لفرحة طائره الوحيد لما شاهد عشيرته تعود.
مر زمن استدفائهم سريعا, يشاهد زميل وحدته بين أقرانه يتأهبون للرحيل, ارتفعوا عن الأرض, شكلوا أسرابهم صوب الشمال, يراقبهم يبتعدون, تذكر أن وراءهم تنتظره وحدة وشتاء مخيف, راح يجري في أثرهم, يلوح إليهم بكلتا يديه, وعند جرف الربوة الشاهقة, طارت طاقيته من فوق رأسه, لاسته من على كتفيه, شرع جناحيه, قفز في الهواء وطار.

التعليقات مغلقة.