حدث بالفعل….
مجدي سالم
كان صديقا لوالدي.. كانت له صورة في لباس البحر وهو شاب يتدفق حيوية.. كتب عليها بخط يده إهداء.. بقلم أخضر.. وكانت هذه الصورة من محفوظاتنا في البيت.. في علبة شهيرة أعرف وإخوتي عن ظهر قلب ما تحويه من ذكريات..
ألقى بي الشوق والجوع سويا إلى أحد مطاعم الفول والطعمية في ميدان الجيزة.. يحمل إسم “المانش”.. وأصدقكم القول أن الإسم مر علي مرور الكرام.. ربما بسبب ما ألم بي من جوع.. وقد توارى مدخل المطعم قليلا عن ساحة الميدان.. خاصة بعد أن حجب جسر المشاه معظم واجهات المحلات عن الرؤية.. مما أعطى جلستي في المطعم خصوصية حجبت اندفاعي ونهمي وازدرائي لما قدمه إلى المطعم..
لم ألتفت في البداية إلى أية تفاصيل حولي.. لكني بدأت أتلفت وقد شارفت على إنهاء وجبتي الشهية.. ورحت أتحسس جيوبي أجهز نقودي كي أسدد ثمن ما التهمت.. لاحظت وجود نفس الصورة لصديق والدي.. لكن بالحجم الكبير في إطار مذهب.. على جدار المطعم.. صورة ذلك الدمياطي بطل مصر الذي عبر المانش وكابري نابولي.. هي نفسها المعلقة فوق رأس العجوز القابع خلف ماكينة تحصيل النقود.. إنتصبت واقفا أستعد للإنصراف..
ورحت أسأل الرجل.. بينما كنت أشير إلى الصورة..
” هو فين عبد المنعم عبده.؟”.. قال لي..
” هو أنا”.. قلت له:
” أنا ابن كمال سالم.. والصورة دي عندنا واحدة زيها”..
إنفجرت دمعة من عين الرجل.. راح يدفع نقودي إلي.. على رخامة الطاولة التي أمامه بعيدا عنه.. راح يتمتم بكلمات من شفاه بللتها دمعته..
” إزي أبوك.؟”…
التعليقات مغلقة.