حدث في قريتنا بقلم.. ناصر كمال بخيت
مازالت الجدة تقص حجيوتها للصغار.. تفترش المصطبة الطينية التي تحتل واجهة دارها منذ سنين وقد قارب الوقت علي الثامنة مساء، فبدا القمر كامل الاستدارة في صفحة الكون الممتد ،حتى تنهي حجيوتها؛ فيذهب الصغار للنوم وهم شبعى.. تدخل إلى صحن الدار.. تنظر إلى المرآة فتصدمها التعاريج التي صنعها الزمن.. تلمس بيدها بضع شعيرات بيضاء ..تتذكر ما مضى من حياتها ..القرية الصاخبة بأحداثها الجسام والهادئة بمفردات وجودها.. تتمني أن يعاد امتزاج الزمان والمكان في تشكيل حجيوتها الفريد وقد شاهد الليل بعد الامتزاج عجوز تتحول إلى حورية حسناء..لقد سمعنا في قريتنا “الحواديت” تتناثر على الألسنة أن هناك حورية تجوب القرية في الليالي القمرية ..تغوي الرجال بمفاتنها الفريدة ، فعيناها كما يقولون بلون مياه النهر الصافية، وشعرها يجوب خلفها طويلا مثل ليالي الشتاء، فيزهدون نساءهم ويتركون أعمالهم ويظلون طوال اليوم يبحثون عن شىء لا يعرفونه.أما من أغوتهم فهم كثر: بينهم من كان يتحدث مع زوجته حين رآها تطل إليه من النافذة، فلم يكمل ما بدأه بل ظل محدقا وصامتا إلى يومنا هذا, وكان أن ظهرت لأحد أثرياء القرية في حلمه، فباع ما ورثه عن أجداده، وذهب يبحث عنها في بلاد الفرنجة، فقد أشيع أنه شاهدها في فيلم الظهيرة تتكلم بلغة أجنبية..حدث أيضا أنها فتنت معلم الابتدائية الوسيم، فراح يغني لها المواويل في الطرقات..لذلك رحت أنا أبحث في الأمر، فوجدت الناس ينقسمون فيما يعتقدون بالنسبة إليها إلى جماعتين: الأولى وهي الأكثر عددا وتأثيرا تعتقد أنها جنية تعاشر الإنس أما الثانية وهي الأقل عددا وتأثيرا، فتعتقد أن ذلك من صنع الناس وهم يرتادون المصاطب والمقاهى ينسجون ما يرغبون من القصص ويصدقونها، أما العجوز فقد حدثت القرية عن نفسها فلم يصدقها أحد، فكيف يربط الناس بينها وهي العجوز الدميمة التي تجاورهم منذ سنين وبين حسناء غانية، وأشيع في القرية حتي الآن أن من ينظر إلى المرآة في ليلة قمرية يصيبه مس من الجنون.
التعليقات مغلقة.