موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

حديث القرآن عن نعمة الأمان تأليف: أ. د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق)ط2، سلسلة البحوث الإسلامية 2006م عرض وتقديم: حاتم السيد مصيلحي

301

حديث القرآن عن نعمة الأمان تأليف: أ. د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق)ط2، سلسلة البحوث الإسلامية 2006م عرض وتقديم: حاتم السيد مصيلحي


إن المتدبر للقرآن الكريم يدرك أن نعمة الأمن التي هي ضد الخوف، على رأس النعم والمنن التي ذكرها الله تعالى في أشرف المقاصد، وفي أعظم الأحوال، كبشارات للمؤمنين الصادقين، الذين عمّروا دنياهم بالطاعات والحسنات، وبالأقوال والأفعال التي ترضي خالقهم، والتي من شأنها أن تجعلهم يظفرون بالسعادة والنصر والرخاء، وذلك لأن هذه النعمة لها مكانتها السامية في حياة الفرد، وفي حياة الأسرة، وفي حياة الأمة، أما الخوف فهو السبب الأكبر لكثير من النكبات والفواجع البشرية، والكوارث الإنسانية، ومنبع الاضطراب والتمزق والشقاء، وهو المعول الذي يهدم كل رقي وتقدم للأمة.

ومن الآيات القرآنية التي أكدت هذا المعنى قوله سبحانه:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [ابراهيم : 35]
حيث قدم إبراهيم ـ عليه السلام ـ في دعائه نعمة الأمن على غيرها؛ لأنها أعظم أنواع النعم والخيرات، ولأنها إذا فقدها الإنسان، اضطرب فكره، وصعب عليه أن يتفرغ لأمور الدين أو الدنيا بنفس هادئة، وبقلب خال من المنغصات والمزعجات، فلايتم شيء من مصالح الدين والدنيا إلا به، وقد سئل بعض العلماء، الأمن أفضل أم الصحة؟
فقال: الأمن أفضل، والدليل على ذلك أن شاة لو انكسرت رجلها فإن تصح بعد زمان، ثم إنها تقبل على الرعي والأكل.. ولو أنها ربطت في موضع، وربط بالقرب منها ذئب، فإنها تمسك عن العلف ولا تتناوله إلى أن تموت، وهذا يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف، أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد.
ثم بين إبراهيم ـ عليه السلام ـ بفطرته النقية الأسباب التي حملته على أن يطلب من ربه أن يجعل هذا البلد وأهله في أمان واطمئنان، بسبب إخلاصهم العبادة والطاعة له.

ونجده يكرر الدعاء في موضع آخر في قوله سبحانه:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة : 126]. حيث طلب من ربه أن يجعل مكة بلدا آمنا، وأن يرزق أهلها من الثمرات بما يغنيهم، لأن البلد إذا امتدت إليه ظلال الأمن، وكانت مطالب الحياة فيه ميسرة، أقبل أهله على طاعة الله تعالى بقلوب مطمئنة، وتفرغوا لذلك بنفوس مستقرة.

ومن الأساليب الحكيمة التي استعملها القرآن في تحبيب المؤمنين في نشر فضيلة الأمن في مجتمعهم وفي أنفسهم: أن يبين لهم الآثار الطيبة التي تترتب على هذا الحرص، والأسباب التي متى باشروها استقر في قلوبهم الأمان والسلام والرخاء والاطمئنان، ومن الآيات القرآنية التي أكدت هذا المعنى، قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور : 55]
والخطاب في الآية الكريمة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين في كل زمان ومكان، ماداموا مؤدين لما كلفهم الله ـ تعالى ـ به، محافظين على فرائضه، ملتزمين لأوامره ونواهيه.
أي: وعد الله تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف على الأرض، وبتثبيت دينهم في القلوب، وبأن يجعل لهم بدلا من الخوف الذي كانوا يعيشون فيه الأمن والاطمئنان، وراحة البال، وهدوء الحال، وصلاح المآل.
قال الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه قال في هذه الآية:( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وهم خائفون ـ أي: من عدوان المشركين، فلما قدموا المدينة أمرهم الله تعالى بالقتال، فكانوا بها أيضا خائفين، يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ماشاء الله.
ثم إن رجلا من الصحابة قال: يارسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟! فقال رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: [ لا تغبرن إلا قليلا ـ أي: لا تمكثون إلا قليلا ـ حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا، أي: ساكنا هادئا ليس عليه حديدة].
وقد جاءت الجملة الكريمة في قوله تعالى:{ يعبدونني لا يشركون بي شيئا} جملة مستأنفة، أي: جوابا لسؤال تقديره: متى يتحقق هذا الوعد بالاستخلاف والتمكين والأمان بعد الخوف للمؤمنين؟ فكان الجواب: يعبدونني عبادة خالصة تامة مستكملة لكل شروطها وآدابها وأركانها، دون أن يشركوا معي في هذه العبادة أحدا كائنا من كان.

وإذا كان القرآن الكريم قد مدح نعمة الأمن مدحا عظيما، وجعلها غاية يطمح إليها الإنسان، ويتمناها لنفسه ولكل ما يحبه ومن يحبه لكي تكون تاجا لسعادته في حياته.. فإنه في الوقت ذاته قد ذكّر الناس في كثير من آياته، بأن الإنسان المتمتع بنعمة الأمن والأمان والاطمئنان، إذا لم يقدر هذه النعمة حق قدرها، وإذا لم يشكر الله تعالى عليها، وإذا لم يستعملها في الطاعة لا في المعصية، وفي الخير لا في الشر، وفي العدل لا في الظلم سلبها الله تعالى منه، ورده إلى نقيضها وهو الخوف والفزع وفساد الحال، وشؤم المآل.. ومن الآيات القرآنية التي قررت هذه الحقيقة، قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل : 112]. وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام : 82].
قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ لما نزلت هذه الآية، قال الصحابة: وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت:[ إن الشرك لظلم عظيم].. وقد قال الإمام الفخر الرازي عند تفسيره لهذه الآية:( إن الذين حصل لهم الأمن المطلق، هم الذين يكونون مستجمعين لهذين الوصفين:
أولهما: الإيمان الصادق، وهو كمال القوة النظرية
وثانيهما: هو عدم التباس الإيمان بالظلم، وهو كمال القوة العلمية).

ولكي يرسخ القرآن الكريم نعمة الأمن في القلوب: استعمل أساليب متعددة لتثبيتها في النفوس، ولتحبيب الناس في التزامها ونشرها فيما بينهم.
ومن هذه الأساليب: المقارنة بين حسن عاقبة من يتحلى بهذه النعمة الجليلة، وبين سوء مصير من هو بعيد عنها، ومن الآيات الكريمة التي قررت ذلك وأكدته، قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت : 40]. لتهديد الذين يلحدون في آياته ـ عز وجل ـ ولتسلي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عما لقيه من أعدائه، ولتبين أن من عمل صالحا فثمار عمله لنفسه، ومن عمل سيئا فعلى نفسه وحده، يجني شؤم قوله وعمله.
وفي موضع آخر نجد القرآن يوازن بين من يعمر حياته في الدنيا بالحسنات، وكيف أن عاقبته الأمان والاطمئنان، وبين من يخرب حياته في الدنيا بالسيئات والموبقات، وكيف أن مصيره سيكون أسوأ مصير، فيقول سبحانه:{مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90)} [النمل : 89-90].

ثم يوجه فضيلة الإمام وجهه نحو الأحاديث النبوية الشريفة، التي تمثل أقوال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأفعاله وتقريراته، وجدناها زاخرة بالتوجيهات السامية، وبالإرشادات القويمة، التي تدعو كل مسلم ومسلمة إلى نشر كل ما يتعلق بتثبيت نعمة الأمن في الأفراد وفي الجماعات وفي الأوطان وفي كل مكان، حيث بين لنا أن هذه النعمة متى حازها الإنسان كان كمن حاز شيئا نفيسا لا يقدر بمال.

وبلغ من حرصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على نشر نعمة الأمن بين الناس، أن نهى المسلم أن يشير على أخيه بالسلاح، سواء أكانت تلك الإشارة على سبيل الجد أو الهزل في قوله: ” لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لايدري لعل الشيطان بنزع في يده ـ أي: يوسوس له بالشر فيقع في حفرة من النار”
وقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يكثر من التضرع إلى الله ـ تعالى ـ أن يديم على أمته نعمة السلام والأمان والاطمئنان.

التعليقات مغلقة.