موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

حفيد سعيد مهران… بقلم خالد العجماوي. “مستوحاة من رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ”

494


كأن يدا نبتت من الأثير فطبعت على وجوههم بختم واحد؛ فجعلتهم أشباها رغم اختلاف القسمات: نظارة مقعرة، وشعر مفروق من جانب الرأس، وشارب رفيع فوق الشفتين، مع قميص كاروهات مربوط الأزرار حتى العروة الأخيرة فوق العنق. أي يد هذه؟ اختلفت أجسامهم وأحجامهم وتباينت ألوان بشرتهم، ولكن ظل الختم واحد فوق القسمات. للوهلة الأولى بدت حالة من الهستيريا الجماعية التي أصابت خمسة من الشباب بين العشرين وحتى الثلاثين، جعلتهم يتشبهون بشخص ما، بيد أن جرائمهم المتماثلة في سرقة الشقق والفيلات أكدت أنه نوع من التخفي، أو نوع من التنكر في شكل واحد تقريبا. شكل يجعل التفكير فيهم مجرد ظنون سيئة، أو فلتقل حتى ساذجة .. العجيب أن جميعهم ادعوا اسما واحدا لم يغيروه أول الاستجواب:

أنا سعيد .. سعيد مختار سعيد .. مهران!
حك جبهته بأصابع يمناه، وقد أطبق إصبعين من يسراه على عقب سيجارة قاربت على الانتهاء.
إذن أولئك الخمسة الذين اصطفوا أمام مكتبه في العيادة ليسوا مرضى هستيريا ولا يعانون من أي اضطراب. هم يتخفون وراء هذا الشاب الذي يجلس أمامه الآن .. يحاولون التشبه به، وأن يكونوا نسخا متعددة منه! نظر إلى الملف فوق مكتبه وقد خط عليه بخط كبير:
المريض/ سعيد عادل مختار ..
من أين أتى بمهران إذن؟!
تفرس فيه كأنه يأكله بعينيه .. مربع الوجه، نحيل، بساعده الأيسر عجز ظاهر يتمثل في قصر واضح بالمقارنة بساعده الأيمن، مع ذبول في العضلات، وانحناءة داخلية أعجزت كفا صغيرة وضامرة، وطبعا يلبس نظارة مقعرة، وفوق شفتيه شارب دقيق، وشعره مصفف ومفروق من جانب رأسه. هو الأصل وغيره الصور .. وهو في نظر العدالة رئيس تنظيم الحرامية هؤلاء، وهو العقل المدبر، وغيره العضلات التي تنفذ بكل دقة ومهارة .. تذكر أن الجريمة الأخيرة لم تكن مجرد سرقة لفيلا أو شقة .. كانت قتلا لامرأة عجوز في بولاق.. تطورت أفعالهم وصارت أخطر، فأرسلت العدالة زعيمهم إليه لكتابة الرأي الطبي حول صحته العقلية بصفته طبيب حاذق وأستاذ جامعي..
قطع أفكاره “عم سيد” وهو يضع فنجان القهوة المضبوط على مكتبه في العيادة .. شكره بابتسامة وإيماءة .. عم سيد الرجل الطيب، رغم ضربات الزمن القاسية، والتي جعلت منه أرملا جاوز الستين، أصلعا ونحيلا، ويعيش وحيدا بعد أن قاطعته ابنته الوحيدة إثر زواج رفضه وأصرت هي عليه .. رجع ببصره إلى الشاب ذي النظارة دقيق الشارب .. ابتدره قائلا كأنه يتوقع السؤال:

أنا سعيد مختار سعيد .. مهران!
فتح ملفه وراجعه مجددا..هو ثلاثيني..مجهول النسب، اختارت له دار الأيتام اسما ثلاثيا هو سعيد عادل مختار..كما أنه يستطيع القراءة بشكل جيد..

أين تعلمت القراءة يا سعيد؟
أراد أن يبدو السؤال وديا بقدر ما، وطبيعيا

في الدار.

هل كنت تحبها؟

من هي؟

القراءة!

آه..نعم أحببتها..

ما اسم معلمتك هناك؟
ضاقت عينا سعيد من خلف عدساته، وقال مغمغما:

سناء ..
تابع بعينيه الملف الذي أمامه وقد كُتب فيه صفحة كاملة عن علاقة سعيد بسناء .. كان يحبها كثيرا .. كانت لطيفة .. هادئة، وإن بدا على سحنتها الفقر المدقع المصحوب بالحرمان .. كانت تكبره بعشرين عاما ربما .. في صدر الصفحة الخاصة بها في ملف سعيد سطر مكتوب بخط كبير، وتحته خط أحمر. ملف سعيد ص ٣:
(يعتبر سعيد معلمته أما بالولادة، كما يوجد العديد من الخطابات التي كتبها سعيد إلى معلمته سناء، بدأها بقوله: أمي!)
يبدو أن معلمته قد اضطرت إلى تركه وترك الدار كلها .. ربما استغنت الإدارة عنها .. أو ربما تزوجت .. فأرسل إليها سعيد يسأل عن سر غيابها عن الدار، وعنه ..

هل كان يصل إليها خطاباتك؟
فاجأه السؤال .. تقلص وجهه، وقد بدا عليه الحزن المشوب بالتوتر، والغضب . .

لا أظن ..

كتبت لها عشرات الخطابات!

كان لدي أمل، قبل أن أكتشف خيانتها..

خيانتها؟!
تملك منه التوتر فانفجر ثورة حانقة:

تركتني فجأة كما فعلت أمها.

أمها؟

نبوية .. الخائنة!
حك جبهته، قبل أن يسحب سيجارة ويشعلها، ثم يسأله في اهتمام:

كلمني عن نبوية..

خائنة لم تصن للحب معنى ولا للشرف كلمة..ولكنه الزمن من جعلها أما لأم.

تقصد سناء.

أمي .. هي التي علمتني القراءة وعرفتني بحقيقتي .. قبل أن تهرب وتتركني ..
اعتدل على كرسيه وهو ينفث آخر نفس من الدخان .. يبدو الولد صادقا .. نوبات الغضب التي تعتريه .. تقلصات وجهه .. سأله مجددا:

هل تقرأ لمحفوظ كثيرا؟
مط شفتيه، كأن السؤال لم يعجبه، أو كأنه جاء من خارج المقرر .. حاول أن يغير سؤاله فراوغ بسؤال جديد:

أظن روايته عن سعيد مهران كانت تأثرا بسفاح وسارق يدعى…….
تكلم سعيد أخيرا، وقال حانقا:

هراء!
قال باهتمام:

قل لي أنت إذن ..
نظر سعيد إلى السقف، ثم تأمل القطعة الخشبية الأنيقة فوق المكتب وقد حفر عليها بخط كوفي كبير: ا.د فؤاد رؤوف .. أستاذ الأمراض النفسية والعصبية..
رفع عينيه إليه وقال في هدوء واثق:

قابل “سعيد مهران” محفوظ في منزله .. وسرد له حكايته، وطلب منه أن يكتبها.

لكن لا يوجد شيء من هذا في سيرة محفوظ.

وهل تريد أن يكشف الكاتب عن مصدره؟

تبدو واثقا..

لأنها الحقيقة .. ولك ألا تصدق فهذا شأنك.
ظل يتفرس الدكتور فؤاد في وجهه .. إذن هو يرى أن سعيد مهران جده .. وأن نبوية الخائنة جدته .. وأن سناء تلك الطفلة المسكينة أمه..
جنون المثقفين!
هل كان يتوقع محفوظ مثل هذا؟ أن يتوحد أحدهم مع سعيد مهران؛ فيذوب مع حكايته حتى يجعله جده، ويتماهى معه حتى يؤمن أنه من صلبه .. أن يذوب مع السطور، ويتماهى مع شخص خلقته الحروف!

أخذت السينما قصة سعيد مهران.

تخاريف!

لم يعجبك؟

كان نحيلا .. أكل الفقر منه، ولم يكن مفتولا مثل ذاك الذي تدعيه ..

نحيلا مثلك؟
قال سعيد في تحد:

بل أنا نحيل مثله ..
صمت برهة قصيرة، أشعل فيها سيجارة ونفث دخانها في قوة. ضغط حروف كلماته وهو يتمتم :

كان سعيد مهران قويا .. يتسلق المواسير ويصعد عليها كالعنكبوت .. يدخل البيوت ويسرق الأغنياء.

كان عادلا ..
نظر د.فؤاد إلى يده اليسرى وتمتم:

لكنك لا تستطيع أن ..
قاطعه محتدا:

الفقر والظلم .. طالما حاربهما هو .. وسأظل أحاربهما مثله..
تنهد الدكتور فؤاد وهو يطفيء سبجارته..ظل يتأمل الملف أمامه ويقلب الصفحات..هي تقارير أمنية عن الشاب سعيد عادل مختار.. ذلك الذي اعتاد أن يجلس أسفل الجسور التي اكتظت بها المدينة، وفي يده كتاب ما..وعيناه كالكاميرا من خلف العدسات تمسح وجوه الزائرين للمقاهي القابعة أسفل الكباري … يصطاد سعيد الزبون بعينيه..ثم ينادي بطرفها على زميله في نادي الفقر المدقع، والذي يزامله في الفقر الممزوج بالغضب ، وإن ملك يدين صحيحتين، وساقين قويتين، وعقل متوقد، وبصر حاد .. يختار هو له الزبون، وينفذ زميله الخطة..فينتظر حتى يتأهب الزبون للخروج من المقهى، فيتابعه، ويقتفي خطاه حتى يحازيه، ثم يسرقه؛ كرها أو طوعا أو نشلا ..
والتخصصات كثيرة. يوزعها سعيد ببراعة؛ فمنهم من يرى أنه عنكبوتي الساقين واليدين، فيحدد له المكان والزمان، ثم يطلق له الإشارة بطرف عينه وهو يمسك بكتابه الأثير، فلا يأتي الصباح إلا وقد صعد زميله فوق المواسير كعنكبوت صغير، أو كفهد متمرس. ومنهم من يجد في يديه خفة فيجعله متخصصا في النشل والاستغفال، فإن وجد في زميله قوة مفرطة أو آنس فيه طولا جعله سارقا بالإكراه. ملف سعيد ص٧:
( سعيد هو العقل المدبر للجرائم الكثيرة التي توالت في الفترة الأخيرة، وإن لم يرتكب أي جريمة بنفسه قط..فيده اليسرى فاقدة لوظيفتها إثر تشوه خلقي جعلها قصيرة وضامرة)
تأمل د.فؤاد في وجهه كثيرا .. وقد بدا على سعيد لا مبالاة. استشعر في داخله شعور الآخرين حول ذلك الأيقونة التي تجلس تحت الجسور وفي يدها كتاب .. تلك الجسور التي اكتظت بها المدينة، وتلك المقاهي التي توالدت تحتها كالجراد، فصارت مثوى لكل غني يحب أن يدفع، بعد أن كانت مأوى للأراذل والمطرودين . أيقونة بنظارة مقعرة وشارب رفيع وقميص كاروهات. وهبهم سعيد الأمل، كما وهب لهم الغاية والسبيل .. الأمل في استرداد الحق ولو بالنشل والإكراه .. والغاية في إقامة العدل على هذه الدنيا الغنية بالظلم والحرمان. كما وهبهم شعورا جميلا وهو يمسك بالكتاب أمامهم، كأنه نبي يحمل وحيا؛ فيأمرهم ويطاع، كما وهبهم شكله ومظهره أمانا عن عيون المخبرين، فكان شكلهم الموحد درعا في حال أبلغ أحد الضحايا الشرطة .. من سيصدق أن شابا عاجزا ومثقفا يستطيع أن ينشل أو أن يسرق متعنفا؟
ثم صفع عيناه ذلك التقرير حول الشروع في قتل امرأة عجوز في بولاق!

هل كانت تستحق القتل؟
سأله بغتة..

غنية وظالمة!

وهل كل غني يستحق القتل؟!
زفر سعيد في غضب..وأردف:

طردت الشغالة..

ربما لم تكن جيدة..

كانت ممتازة!

تعرفها؟

نور تعرف ربنا..لا يمكن تسرق!
نظر في التقارير..هذه المرة صدمته السطور . فقد تم القبض على الخادمة (هنادي) ووشت أنه من حاول قتل سيدتها في شقتها..وحين أفاقت السيدة في المشفى قالت إنها وجدت شابا في المطبخ مع خادمتها..وصفته أنه بنظارة وشارب وقميص مربوط الأزرار حتى العنق، ثم إنها وصفت أهم وصف هذه المرة: كانت يده اليسرى قصيرة، ضامرة وعاجزة!

كنت تحبها؟

من؟

هنادي..

تقصد نور!
يا إلهي .. ذلك الشاب متوحد مع شخصية سعيد مهران إلى درجة بعيدة..هو لا يرى أي شخصية من حوله إلا كربونا من شخصيات رواية اللص والكلاب .. هل يمكن أن تنتج القراءة العميقة مثل هذا النوع من الخيالات العريضة إلى حد المرض؟!

دكتور فؤاد .. هل تعلم أنك حفيد رؤوف علوان!
حسنا إذن .. الشاب مريض لاشك ..لا يبدو عليه التظاهر ولا مجال للتشكيك .. سيكتب في تقريره الخاص أن سعيد مريض باضطراب الهوية الفصامي، وأنه يؤمن إيمانا تاما أنه حفيد سعيد مهران في اللص والكلاب، بل و يرى أن المحيطين به أحفاد أبطال الرواية كذلك ..

ما اسمك كاملا؟
سأله الشاب وهو يضغط على حروفه بقسوة .. أغلق عينيه كأنه يتذكر.. اممم.. اسمي.. اسمي د.فؤاد رؤوف محمد .. علوان!
يا ويلي .. أتلعب معي الأقدار لعبتها، أم تتلاعب بذلك الشاب! يا لها من صدفة! أبي يدعى محمد علوان! اسم مركب .. لحظة .. كان صحفيا مرموقا في الأخبار، وأنا ابنه الوحيد ..
لا أنكر أني استخدمت نفوذه في تعييني بالجامعة .. ولكن الحقيقة أنه هو من استخدم نفوذه وليس أنا .. كان محبوبا، ومن الطبيعي أن يجامله بعضهم في تعيين ابنه معيدا في كلية الطب .. ولكن ما الداعي لهذه الذكريات الآن؟! هل يستطيع “سعيد” هذا أن يتلاعب بي؟! لك نفوذك على الشباب الضائع من أمثالك يا “سعيد”، ولكن ليس علي أنا!
قرع عم “سيد” الباب ودلف في هدوء وفي يده فنجان جديد من القهوة .. فرصة جيدة كي ينتقم من ذلك الشاب الذي تلاعب به ..

عم سيد .. أحضر الشبان الخمسة إلى العيادة من فضلك ..
لمح نظرة تعجب في عين عم سيد، بيد أن الرجل قد خرج فور أن وضع القهوة على المكتب، ولم تمر دقائق إلا وقد اصطفوا جميعا أمامه، وقد جلس سعيد قباله أمام المكتب .. صار أمامه ست نسخ من سعيد .. كلها متفاوتة في الحجم ولون البشرة، متشابهة إلى حد التطابق في النظارة .. والشارب .. والشعر المفروق، وحتى القميص الكاروهات ..

من منكم حفيد سعيد مهران؟
قصد أن يضغط على حروفه بقسوة، تماما كما سأله سعيد منذ لحظات .. هل يعاقب مريضه؟
اضطربت وجوههم، وتقلصت ملامحهم بشكل غريب، وقد بدا عليهم الارتباك، وإن ظهر على سعيد الغضب الحقيقي هذه المرة .. لم ينبس بكلمة .. كأنه ينتظر إجاباتهم تماما كما ينتظرها د.فؤاد .. لمعت عيونهم، وطأطأوا رؤوسهم في توسل وانكسار، وهم يشيرون إلى نسخة سعيد الجالسة أمام مكتبه .. إذن فهو يفرض سطوته عليهم جميعا، وهم يعترفون بزعامته، وأنهم مجرد نسخ متفاوتة لذاته وشكله. إلا أن أحدهم صرخ فجأة رافعا رأسه باعتداد:

أنا سعيد مهران!
كأنه إيذان بالهجوم!
هجموا عليه جميعا، شلوا حركته تماما، بينما قام “سعيد” من جلسته هائجا، ووجهه أحمر كالدم، وقد تفصد منه عرق بارد، وشرع يلكم المشلول في وجهه بيده اليمنى وهو يقول بصوت هادر:

الخائن .. ابن عليش الكلب! الخائن الكلب ابن عليش!
قام د.فؤاد فزعا من كرسي مكتبه .. حاول أن يدفعهم بكلتا يديه .. ظل يصرخ:

ابتعدوا .. لا يصح هذا هنا .. قلت ابتعدوا ..
توقفوا فجأة .. تركوا نسختهم الخائنة وقد بدت نازفة الوجه .. تقدموا نحوه ببطء .. كان يتقدمهم .. حدق فيه، فشعر كأنه تغلغل داخل روحه الجزعة .. حاول أن يدفعهم .. صرخ:

عم سيد .. عم سيد .. بسرعة يا عم سيد ..
ضحكت نسخة “سعيد” الزعيمة .. نظر إلى ساعده الأيسر الضامر فوجده يكبر ببطء، كأنه طفل ينمو .. طفل كبر حتى صار يدا قوية كالحديد .. أطبقت على عنقه حتى كادت أن تهشم حنجرته..

د.فؤاد .. حضرتك كويس؟
اختفوا فجأة .. كأنهم أشباح تلاشت، فلم ير غير عم “سيد” وهو يحركه في ذعر، وقد تفصد منه العرق كالمطر ..

هما فين؟

مين دول؟

المريض يا سيد .. فين المريض؟

حضرتك لسه ما طلبتش يدخل .. بقالك ساعة بتقرا الملف ..
نظر فزعا إلى الملف أمامه .. مخطوطا عليه عنوان (سعيد عادل مختار)
حاول أن يستعيد هدوءه، أو بالأحرى أن يلملم الفضيحة .. هل سيكتم سيد ما حدث عن باقي الزملاء في المشفى!

سيد .. ما تقولش حاجة عن اللي حصل هنا ..

أكيد يا د.فؤاد .. بس حضرتك تعبان ومحتاج تستريح ..

لا مش مهم .. لازم أكتب التقرير النهاردة بالليل ..

تقرير ايه؟

تقرير المريض يا سيد..مالك؟!

معلش يا د.فؤاد .. حضرتك عارف السن وعمايله .. أجيب لحضرتك قهوة؟
أومأ له برأسه، حاول أن يعتدل في جلسته، وأن يلملم روحه .. لن يحكي “سيد” ما حدث بالتأكيد لن يحكي .. لمحه يهم بالانصراف كي يحضر القهوة..كأنه لمح على وجهه ابتسامة ساخرة، وشارب رفيع فوق شفتيه!
فتح درج المكتب .. أخرج نسخة قديمة مهترأة من رواية اللص والكلاب .. مر بعينه على الصفحة الأولى ( إهداء إلى صديقي وأخي فؤاد علوان .. كلانا يعشق القراءة، فلم أجد هدية أغلى من كتاب.. صديقك المخلص: سعيد مختار)
تقلصت ملامحه .. مرر الصفحات حتى وجد قصاصة قديمة ومطوية من جريدة..فتحها بيدين مرتعشتين ( القبض على خلية تهدد استقرار البلاد يتزعمها طالب طب) تفصد منه العرق، ولمعت عيناه، وصوت يأتيه عبر موجات الضمير:

قول لهم يا فؤاد..أنا مش معاهم .. أنا مليش دعوة.. مش عارف مين اللي قال عني كده.. أنا أستحق أكون معيد .. قول لهم يا فؤاد..
سقطت القصاصة إلى الأرض .. كأنه سمع صوت ارتطام رأس على الأرضية الخشبية، وقد لمح صورة أبيض وأسود لشاب بنظارة مقعرة، وشعر مفروق، وشارب دقيق فوق الشفتين.

التعليقات مغلقة.