حكاية صَبُورٌ ومَكَّارٌ قصة أطفال 11:9 بقلم عاشور زكي وهبة
يُحكَى أنَّ في قديمِ الزمانِ، كان يعيشُ جملٌ وحمارٌ في إسطبل إحدى المزارع القريبة من الصحراء، تُروَى بأمطار السماء، أو العيون وآبار الماء الجوفيّة.
كان الجملُ يتَّسمُ بالصبر، لذا أطلقَ عليه صاحب المزرعة اسم ” صبور”: لأنّه اعتاد الجوع والعطش، ويتحمّل الصعابَ في حمل الأثقال والسفر في البادية والحضر.
أمّا الحمارُ فكان يتَّصفُ بالمكرِ، لذا التصقَ به لقب ” مَكَّار “؛ مع أنَّه تَرَبَّى سنته الأولى في مزرعة متاخمة لأحد الأنهار.
كانت وظيفةُ الدابتينِ حمل الأثقال من الحبوب والثمار من المزرعة إلى الأسواق، إلى جانب كونهما وسيلة المواصلات الوحيدة في ذلك المكان والزمان.
كان الحمارُ (مكّار) يشكو دومًا من قسوة صاحب المزرعة، في تحميلهما أكثرَ مما يطيقانِ. كما كان يتذمَّرُ من بخله الشديد وتضييقه عليهما في الطعام والشراب.
لذا كان ( مكّار ) يتمارضُ كلّ موسم حصاد، ويعلنُ عصيانه عن الحمل والنقل سواءً للبشر أو الحبوب والثمار.
وكلما ضاقَ به المالكُ، واضطرَ لضربه، يكنْ مستعدًا للعصيان رفسًا أو عضًّا.
وكلما أراد صاحبه أن يبيعه، ويعلمُ المشترون بخصاله السيئة يمتنعون عن شرائه، وينفِّرون منه الجميعَ.
على الجانب الآخر، كان (صبور) ينصحُ الحمار المكّار بالصبر، ويخبره أنّ هذا المزارع أفضل من غيره: إذ يعاملهما بلطف وكرم يُحسدانِ عليه من حيوانات المزرعة. كما كان (صبورُ) يحذّرُ الحمار من عاقبة تمارضه وعصيانه؛ لكن دون جدوى…
وذات حصادٍ، ازداد التمايزُ والتباينُ بين صبور ومكّار: في حين كان الجمل يقوم بواجبه على أكمل وجه عن طيب خاطر؛ كان الحمارُ يزيد في مكره وعصيانه دون مُبرّرٍ.
ضاقَ المالكُ ب( مكّار )، فتركه مُتعطّلًا في الإسطبل، وخرج ب( صبور) إلى المزرعة، يعملُ في الحمل والنقل حتّى أخر النهار.
عادَ (صبورُ )مع الشفق مُتعبًا مُنهكًا، في حين يقبعُ (مكّار ) في الإسطبل مُتعطّلًا ضائقًا.
أخذَ الحمار يوسوسُ للجمل مُنتهزًا إرهاقه، ويحرضه على الهرب والفرار من هذا البؤس، إلى حياة جديدة ملؤها الحرية والراحة.
إلّا أنّ صبور لم يصغِ له، ونصحه مُجدَّدًا بالصبر، وحذّرَه من سوء أفعاله وعاقبة خصاله و… أخذته غفوةٌ من التعبِ…
عزمَ (مكّار) على الهرب. ارتدى برذعتَه، وتمنطقَ بلجامه. رفسَ باب الإسطبل برفقٍ فانفتح. استترَ بالظلام وهجوع المزرعة. وانطلقَ يعدو خارجها ينهقُ بالحرية، ويجعجع بالحياة البريّة.
صادفه قاطعُ طريق استوقفه. لكنّه نفض برذعته وتمارضه ومكره ، وأسرع للفكاك من الأسْر والانفلات إلى الصحراء الشاسعة والدروب الوعرة حتّى وصل إلى منطقةٍ مجهولةٍ غيرِ مأهولة، تسكنها الوحوش الضاريّة.
بلغَ به الجهدُ منتهاه فالتمس الراحةَ أسفل تلٍّ صغيرٍ؛ لكنّه سمع عواء الذئاب يقتربُ ويحيطُ به من كلّ جانبٍ.
حاول أن يحثَّ الخطى لمعاودة الهرب من قدرٍ أشدَّ بؤسًا. لكن هيهات! لم تطاوعْه أقدامه، وأضحى فريسةً سهلةً للذئاب الجائعة، ينهشون لحمه المُكتنَز من كثرة الدعة والتكاسل. ولم يبقَ منه إلا عظامَه الصلبة.
وذات سفرٍ، استدل عليه مالكه باللجام الرّثِّ المُنفَرِطِ.
نظرَ (صبور) مليًّا إلى لجام (مكّار ) العنيد، اللجام المختلط بدماءٍ لوَّحتها الشمس. ثمَّ مضى (صبور) حاملًا المالكَ وبضاعته من الحبوب والثمار، وسار الهوينى يجتَّرُ طريق الصبرِ الجميلِ.
( تمّتْ بحمد الله وتوفيقه )
التعليقات مغلقة.