حكايتي مع المحبرة خاطرة بقلم د. ابراهيم مصري النهر
في سنوات الابتدائي الثلاث الأُوَل كنا ننتظر بشوق الوصول للصف الرابع، فقط لكي يُسمح لنا بالكتابة بالقلم الحبر، فقد كنا عندما نراه ونحاول مد أيدينا نحوه يزجروننا بقسوة وكأننا قد إقتربنا من لغم، ويقولون لا لا مازلت صغيرا بعد، وأخطاؤك كثيرة واحتياجك للممحاة مازال كثيرا.
وكبرنا واستخدمنا أقلام الحبر والتي معها أصبحنا لا نستطيع محو أخطاءنا إلا بالتشطيب والشخبطة مما يشوه شكل الورقة وقد نلجأ إلى نزعها من الكراس.
وصلنا للصف الرابع ولم أكتفي بأقلام الحبر الجاف فقد كنت من هواة الكتابة بأقلام الحبر السائل، وكثيرا ما كان يبصق حبره في الحقيبة ويصبغها والكتب باللون الأزرق.
في الصف السادس الابتدائي عرض عليّ زميل رشوة، قلم حبر سائل لونه برتقالي، مستغلا عشقي للكتابة بالأقلام الحبر وأن لعابي قد سال عليه مقابل أن أغششه في اختبار مادة الرياضيات الشهري. في يوم الاختبار لسوء حظه، نقلنا أسئلة الاختبار من على السبورة وخرجنا للإجابة عليها في فناء المدرسة وذلك لإحباط أي مخطط للغش. انتهى الامتحان ولم ينجح من الفصل في هذا الاختبار إلا أربعة، وكنت أحدهم بل والأول عليهم بالدرجة النهائية كالعادة، ورسب زميلي صاحب القلم وجاءني ليأخذ قلمه؛ رفضت واشتد النزاع بيننا فقذفته في ترعة مياه فضًا للنزاع. كان أخوه مدرسا في المدرسة؛ اشتكاني له بأني أخذت قلمه وقذفته في الترعة.. في طابور الصباح نادى أخوه المدرس على اسمي؛ خرجت وحكيت له ما حدث فأدخلني، وأخرج أخيه وضربه على قدميه في أرض الطابور.
وكأن الرشوة والواسطة داءان خبيثان يولدان معنا، ويكبران ويسيطران على مفاصل المجتمع، حتى أنهما أصبحا مصوغا من مصوغات التعيين وقبول الأوراق في أغلب المصالح الحكومية.
رجوعا للقلم الحبر والمحبرة؛ في أول يوم من امتحانات الصف السادس الابتدائي، يوم امتحان اللغة العربية وقبل نهاية الوقت بثلث ساعة انسكبت المحبرة على ورقة الإجابة، وانسكبت معها دموعي علي وجنتيَّ معلنة أخر عهدي بالمحبرة.
والآن وبعد أن شبعنا من سن أقلام الحبر الذي لا يغفر الخطأ ولا يمحوه، أصبحنا نتوق إلى سن القلم الرصاص، سن يمكنك فيه تصحيح الأخطاء، كم كنا نضيق به ذرعا والآن نحِنُّ إليه بلحى وشوارب وهامات بيضاء، نحِنُّ إليه حيث زلات نستطيع محوها، حيث قلوب بيضاء ونظرات بريئة وضحكات صافية.
عذرا أيها القلم الرصاص، القلم المتسامح، غافر الزلات، فلم نعد نستخدمك إلا في لغة التهديد، حيث يقال للموظفين الجدد أن اسمك مازال مكتوبا بالقلم الرصاص.
التعليقات مغلقة.