حكم تربية الكلب فى الإسلام
بقلم / محمــــد الدكـــــرورى
لقد وصلنا اليوم إلى أن نرى بعض المترفين ممن يفخرون بتقليد الغرب نجدهم يشترون الكلاب بأغلى الأثمان، ويضعونها في بيوتهم، وترافقهم في مجالسهم، لا شك أن هذا الأمر لا يجوز شرعا ، وتجد بعض هذه الأسر تراها تنفق المال الكثير في تنظيف هذه الكلاب، وإطعامها وعلاجها ، بينما تراها تبخل على نفسها أن تدفع هذا المبلغ في كفالة يتيم أو أسرة فقيرة.
وقد ورد ذكر الكلب في ثلاث سور من كتاب الله تعالى ، في المائدة والأعراف والكهف ، والكلاب أمة من الأمم، لنا معها أحكام كثيرة ، فالملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب أو صورة، وخمسٌ يقتلن في الحل والحرم ، منها الكلب العقور ، والكلب إذا ولغ في الإناء فإنه يغسل سبعًا ، إحداهن بالتراب.
وقد نهى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وشبه المصطفى عليه الصلاة والسلام ، من يرجع في هديته بالكلب الذي يرجع في قيئه ، فقال صلى الله عليه وسلم : “ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته، كالكلب يرجع في قيئه”. رواه البخاري.
ونهى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ، عن بسط الذراع في الصلاة؛ فقال: ” اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب” وقال صلى الله عليه وسلم “مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ صَيْدٍ أوْ زَرْعٍ، انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ”. رواه احمد .
وقد بينت موقف الشرع من اقتناء الكلاب، وأن الأصل في اقتناء الكلاب هو التحريم، لكن الشارع رخص في بعض الحالات التي يجوز فيها اقتناءها، وهذه الحالات الجامع فيها الحاجة، فإن انتفت الحاجة رجع الحكم إلى الأصل؛ ألا وهو التحريم .
واختُلف في جواز اقتنائه لغير هذه الأمور الثلاثة، كحفظ الدور والدروب، والراجح جوازه، قياسًا على الثلاثة، عملاً بالعلَّة المفهومة من الحديث وهي: الحاجة ، وعن أبي ذر رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يقطع الصلاة: الحمار والمرأة والكلب الأسود”. رواه مسلم .
ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة التساهل في اقتناء الكلاب لغير حاجة والسير بها في الطرقات والحدائق متبعين في ذلك اليهود والنصارى، بالرغم من أن موقف الشرع واضح وجلي لا إشكال فيه، وهذا الذي اقتنى كلبًا بلا حاجة جمع بين ذنبين عظيمين، الأول أنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم، والثاني ذنب التشبه بالكفار، الذي حذّر منه النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “الكلب الأسود شيطان”. ولذلك أمرنا بقتله في قوله: “اقتلوا منها كل أسود بهيم” ولكن الإحسان إلى الكلب يستجلب رحمة الله عز وجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا فنـزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش .
فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنـزل البئر، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له”. قالوا: يا رسول الله: وإن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال: “في كل ذات كبد رطبة أجر”. رواه البخارى .
وقد أوصى نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، بعدم ملامسة الكلاب ولعابها ، لأن الكلب يلحس فروه أو جلده عدة مرات في اليوم، الأمر الذي ينقل الجراثيم إلى الجلد والفم واللعاب فيصبح مؤذيًا للصحة ، فقد حذر الأطباء من مس الكلاب ومداعبتها والتعرض لفضلاتها أو لعابها ، لأنه يزيد خطر الإصابة بالعمى .
وكما أوصى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، في حال ملامسة لعاب الكلاب باليد أو بالأجسام، بغسلها سبع مرات، إحدها بالتراب أو الطين الذي اكتشف مؤخرًا أنه يقتل الديدان والطفيليات.
والكلاب كلها نجسة ، المعلَّمة وغير المعلَّمة، الصغير منها والكبير، ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغيره، ولا بين كلب البدوي والحضري ، لعموم الأدلة ، والعرب قديمًا كانت تسمي بالكلب بعض أبنائها ، و”كلاب” اسم رجل من أجداد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو كلاب بن مرة بن كعب.
وقد سُئل أعرابي: لم تسمّون أبناءكم بشر الأسماء، نحو: كلب وذئب، وتسمون عبيدكم بأحسنها، نحو: مرزوق ورباح؟ فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، ونسمي عبيدنا لأنفسنا ، وكأنهم قصدوا بذلك التفاؤل بمكالبة العدو وقهره.
ومن طرائف ما ذكر حول الكلب ، أن الرافضي الحسين بن أحمد ، المعروف بابن الحجاج لما حضرته الوفاة، أوصى بأن يدفن عند رجلي الإمام موسى بن جعفر ، أحد الأئمة الاثني عشر عندهم ، وأن يكتب على قبره (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) ولا أظن أن الخبر يحتاج إلى تعليق ، فهذه هي منزلة القوم .
ومع معرفة نجاسة الكلب، وثبوت ذلك علميًّا، إلا أنك تستغرب وأنت ترى الغرب اليوم لهم عناية غير عادية بالكلاب، من جهة اقتنائها وتربيتها وملاعبتها، بل والنوم معها، والاعتناء الشديد بها، يصل أحياناً أنهم يقدمونها على أولادهم، وأنشأوا لها أماكن مخصصة، من أندية ومستشفيات ومحاضن خاصة، بل ويكتب بعضهم لها شيئًا من الميراث، فتسأل: أين هي عقول القوم؟ ألم يجدوا حيوانًا آخر يعتنون به سوى الكلب؟
وأما اتخاذ الكلب وكون الإنسان يقتنيه فإن هذا حرام، بل هو من كبائر الذنوب، لأن الذي يقتني الكلب إلا ما استثنى ينقص كل يوم من أجره قيراطان ، ومن حكمة الله عز وجل أن الخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات .
وقال أبو عمر : في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب دليل على أنها لا تؤكل ، لأن ما يجوز أكله لم يحل قتله إذا كان مقدورا عليه وذبح ، أو نحر ، فإن كان صيدا متمنعا حل بالتسمية رميه ، وقتله كيف أمكن ما دام متمنعا ألا ترى إلى ما جاء عن عمر وعثمان إذ ظهر في المدينة اللعب بالحمام ، والمهارشة بين الكلاب أتى الحديث عنهما بأنهما أمرا بقتل الكلاب وذبح الحمام فرقا بين ما يؤكل وما لا يؤكل .
وقال الحسن البصري : سمعت عثمان بن عفان يقول غير مرة في خطبته اقتلوا الكلاب واذبحوا الحمام ، واختلفت الآثار في قتل الكلاب ، واختلف العلماء في ذلك أيضا ، فذهب جماعة من أهل العلم إلى الأمر بقتل الكلاب كلها إلا ما ورد الحديث بإباحة اتخاذه منها للصيد ، والماشية وللزرع أيضا .
وقالوا : واجب قتل الكلاب كلها إلا ما كان منها مخصوصا بالحديث امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم واحتجوا بحديث مالك هذا وما كان مثله وبحديث ابن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رافعا صوته يأمر بقتل الكلاب فكانت الكلاب تقتل إلا كلب صيد ، أو ماشية .
والكلب قد يكون جنديًا من جنود الله عز وجل، ينتقم من أعداء الملة وخصوم الشريعة، فيرسله الله على من كفر بالله أو استهزأ بدينه، والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دعا على عُتبة بن أبي جهل عندما جاءه وهو في جمع من الناس يسخر منه، ويتمادى في السخرية، ويأخذه غرور الجبابرة، وهو يقول: “يا محمد: أشهد أني قد كفرتُ بربك، وطلقت ابنتك”.
وكان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، قد زوَّجه ابنته رقية قبل البعثة، فدعا عليه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: “اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك”، قالها صلى الله عليه وسلم ، في يقين ممزوج بالأسى، وعيناه وقلبه إلى السماء يستنصر الله، فخرج عتبة في قافلة تجارية إلى الشام، وليس نصب عينيه وأذنيه ومشاعره إلا دعوة محمد: “اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك”.
فبدأ الركب مسيره إلى الشام، وفي الليل بلغوا واديًا يسمى “وادي القاصرة”، وهو كثير السباع، فنـزلوه للاستراحة، فأصر عتبة أن لا ينام إلا وسط رفاقه، خوفًا من دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فلم يفق القوم إلا وأسد يشم رؤوس القوم رجُلاً رجلاً، حتى انتهى إلى عتبة، فأنشب مخالبه في صدغيه فقتله، فصرخ عتبة: “يا قوم قتلتني دعوة محمد”.
التعليقات مغلقة.