موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

حميمية دفء ” حواديت الفرن ” للكاتبة لبيبة الجنيدي…قراءة سعاد الزامك

263

حميمية دفء ” حواديت الفرن “
للكاتبة لبيبة الجنيدي…

قراءة تذوقية بقلم سعاد الزامك


يتميز المجتمع الريفي بسيطرة الحرف الزراعية و صغر حجم تجمعاته الاجتماعية و ضآلة التمييز بين سكانه ، فضلا عن ضآلة الحراك الاجتماعي الرأسي و الوظيفي للسكان ، و البساطة هي السمة الرئيسية لهم . يقول “ردفيلد ” في كتابه ” المجتمع الريفي و الثقافة ” :
هناك أوجه شبه عامة و مشتركة في الحياة القروية في جميع أنحاء العالم طالما أن الفلاحين يعملون بالزراعة التي تشكل طريقتهم في الحياة ، و رجح ” ردفيلد ” أن القيم و الاتجاهات في الحياة الريفية تتلخص في ارتباط القرويين بالأرض ارتباطا وثيقا يصل إلى حد التقديس ، و تعلقهم بالطرق التقليدية القديمة ، و يضحون بمصلحتهم الشخصية في سبيل العائلة ، كما يسيطر الوازع الديني على كثير من مظاهر سلوكهم ، بالإضافة إلى شعورهم بالشك و الريبة تجاه سكان المدن .
تمارس حياة القرويين في إطار من الود الجماعي ، و قبول القوانين و الأعراف و القيم السائدة و لو ظاهريا ، كما أن الطفل الريفي مندمج بعمق في بيئته بل و يتقاسم المسؤولية مع والديه في مرحلة مبكرة جدا من حياته .
ذهب ” إريكو ” إلى تقسيم سكان القرى إلى طبقتين متمايزتين : الأولى مُلاك الأراضي أو مستأجريها و تعتمد حياتهم على خراج الأرض كعمل مربح لهم .
الثانية المزارعين الذين يتخذون من العمل بالزراعة كمصدر ربح لهم .
في مصر انقسم المجتمع منذ الأزل كغيره إلى مجتمعين أساسيين ( الريف و الحضر ) ، تشعب منهما جميع المستويات الثقافية و الاجتماعية و العلمية و غيرها ، كان النصيب الأوفر للريف المصري من حيث عدد السكان و الأمية و البطالة و الفقر و المرض و برغم ذلك اتسم بسماحة الأخلاق و التواصل و التواد و الرحمة فيما بينهم . و بنظرة سريعة في التاريخ نجد أن المصريين قد عانوا من الاستعمار و الاستغلال و الفقر عبر العصور المختلفة كما تتالت عليهم الديانات و المعتقدات و اللغات المختلفة ، فتعلموا دروسا من عبورهم المحن و الأزمات ألزمتهم الصبر على المكاره و زرعت في نفوسهم تدبر أحوال المعيشة المستقبلية فحرصوا على التوفير وقت الرغد تحسبا لأوقات عجاف قد تضربهم في أية لحظة .
” حواديت الفرن ” كتاب لاح فيه عبق الريف المصري ، فمنذ أن تناولته بين يدي حاولت الوصول إلى مضمونه و فحواه بعد أن لفحني وهج دافئ مر بجسدي بمجرد قراءة عنوانه ، دغدغة عاطفية لا شعورية طافت بوجداني ، من منا لم ير أو يسمع عن الفرن المنتشر بمنازل الريف المصري و مأكولاته الشهية و مخبوزاته الأشهى على الإطلاق في الصعيد المصري كله .
من وجهة نظري أرى أن الكاتبة د. لبيبة الجنيدي قد نجحت في اختيار عنوان كتابها .. ذلك العنوان الحميمي ذي الخصوصية الشعبية الكبيرة ، مما يدفع القارئ كي يسارع للولوج إلى أوراقه ناشدا الدفء الذي افتقده بسبب ما طرأ عليه من تمدُن و حضارة جلبت له بعض المعتقدات و المستجدات الغربية .
عندئذ نجد وصف الكاتبة الدقيق لحجرة الفرن الريفي التي عاصرتها في طفولتها بأواخر الستينيات و ما تبثه في نفسها من احساس بالأمان و الخير الوفير ، و قد شبهتها بمؤتمر سيدات الريف تارة و بالصالون الثقافي للمرأة الريفية تارة أخرى . اجتاحتني عدة أسئلة بعد قراءة ذلك الوصف و تلك التشبيهات لحجرة الفرن .. ألهذه الدرجة تشعر الكاتبة بأهمية حجرة الفرن للمرأة الريفية ؟ و ماذا ستطرحه علينا من قضايا و حكايات من خلال ذلك الصالون الثقافي النسوي ؟
بعدها نجد أن الكاتبة قد بدأت في وصف الروتين اليومي بالريف المصري حيث يبدأ مع أذان الفجر من خلال تلك الطفلة التي تستمتع بكل لحظة و تلاحظ كل لفتة و تجمع المعلومات و الحكايات لتدخرها لبقية عمرها ، و تقتنص ما كمن في أغوار الأحداث من لآلئ النُصح و المعرفة لتستلهم منها خبرة طويلة و إن لم تكن تعي مضمونها أو كنهها بسبب حداثة سنها .

ضم الكتاب عدة حكايات مما تدور بالريف المصري كثيرا و يختلف أبطالها من زمن لآخر ، و بالطبع أولى الحكايات كانت عن حجرة الفرن و كل ما يدور فيها من أحاديث و تجمع نسوة القرية و تعاونهم في عملية طهي الأطعمة و عمل المخبوزات المتعددة و المتنوعة ، تتعدد المهام التي يتم توزيعها عليهن كلٌ حسب خبرتها و معرفتها . امتاز ذلك الجزء بالوصف الدقيق كبانوراما ناعمة ثم تتوالى اللقطات المتتالية باستخدام المفردات السلسة ذات الطابع الحميمي الدافئ مما أضفى إحساسا بالتواجد بالمكان بل و استنشاق روائح المخبوزات المتنوعة و ربما الاستمتاع بمذاقها الشهي .
من خلال البطل الرئيسي ( حجرة الفرن ) أو ( مؤتمر سيدات الريف ) كما يحلو للكاتبة وصفه ، بدأت د. لبيبة في سرد بعض القصص المنتشرة بالمجتمع المصري بعض المعتقدات التي ما زال بعض سكان الريف يتمسكون بها و يقدسونها بل و لا يتخلون عنها مهما وصلوا إلى مكانة علمية مرموقة .
” الزوجة الثانية ” قضية دائما ما تحوي بين طياتها سؤالا أزليا .. أيهم الجاني ؟ و أيهم المجني عليه ؟ قصة راح ضحيتها الزوج دون سابق إنذار بعد زواجه الثاني ، فثارت تساؤلات أهل القرية عن سبب موته المفاجئ ، بل و انقسموا في توجيه اتهامهم إلى كلتا الزوجتين اللتين صارتا في أعينهم قاتلتين مثل ‘ريا و سكينة ” الشهيرتين في عالم الجريمة و القتل .
اختارت الكاتبة عنوان ” ريا و سكينة ” لقصة الزوجة الثانية ، و أرجح بأنها تعمدت ذلك الاختيار حيث حولت الزوجة الثانية إلى فزاعة لجأت إليها العديد من الزوجات لإرهاب أزواجهن و قمعهن عن مجرد التفكير في الزواج الثاني إن لاح بخاطرهن و لو مجرد وميض الصدفة .
ثم تنتقل الكاتبة بعد ذلك ما بين الحكايات و الأحداث من خلال نفس الحجرة حيث الطعام هو البطل الرئيسي في المناسبات العامة و الخاصة ، فجعلت من تلك الحجرة المتأججة بالعمل و العرق نفقا ناقلا تعبر بنا من خلاله من حدث لآخر و من مناسبة لأخرى ، قد يضيق النفق أحيانا وقت الحزن و المعاناة و يتسع تارة أخرى وقت الرغد و الاحتفاء .
تعود بنا الكاتبة من جديد لتروي أحداث حكاية اجتماعية جديدة ، ها هي ” فريدة ” العروس التي عانت كثيرا من والدة زوجها ، و مدى صبرها على معاناتها بسبب حبها لزوجها و ربما للحفاظ على حياتها الزوجية خشية فكرة الطلاق التي يرفضها المجتمع المصري كله و بالأخص في ريفنا الأصيل . تلك العروس التي تأخر حملها فتمعنت أم الزوج في إذلالها و تحريض ابنها عليها و مقاطعتها حتى بعد معرفتها بخبر حملها ثم ولادتها ، إلى أن تصل ذروة الأحداث بوصول ابنتها التي تزوجت حديثا نائحة بسبب حرمانها نعمة الإنجاب مما دفع الابن ( زوج فريدة ) بتأنيب والدته و تقريظها على معاملتها السيئة لفريدة بل و صفعها بحديثه بأن الله قد عاقبها بحرمان ابنتها الوحيدة من الأبناء .
لاحظت بنهاية القصة بل و فوجئت بأن فريدة و زوجها كانا يقطنان بشقة في منزل والديه بل و في الطابق الذي يعلو طابقهما ، كيف تجاهلت تلك الأم القاسية صراخ و استغاثة زوجة ولدها الوحيد أثناء مخاضها لاستقبال أول أحفادها ؟!!! ما كل تلك القسوة بقلب فقد الرحمة ؟ أهي قاسية بالفعل لهذه الدرجة أم أن الكاتبة أرادت ترسيخ شدة المهانة التي عانتها ” فريدة ” حتى بعد نيلها الابن المنشود ؟
كانت النهاية صادمة و مفاجأة في ذات الوقت حين اتخذ الزوج القرار بالفرار و السفر باسم العمل حيث بر الأنانية تاركا زوجته و ابنه لمصيرهما المجهول .
أرى أن د. لبيبة قد نجحت في اختيار اسم ” فريدة ” لبطلة حكايتها ، نعم فتلك هي الزوجة المصرية الأصيلة و الفريدة في تربيتها و طباعها و حسن ولائها لزوجها و الأم الحنون الصابرة على منغصات الحياة و مآسيها .
و كما مرقت بنا الكاتبة من حجرة الفرن إلى حكايات قريتها الحزينة عادت بنا من جديد إليها لتنشر روح التفاؤل و تنثر البهجة من خلال سرد طقوس الاحتفاء بشم النسيم ، و كأنها أرادت أن تبشرنا بميلاد ربيع نضر جديد بعد كل خريف تتساقط فيه وريقات الفرح و تذبل على جنباته شجيرات الأمل .
هنيئا للقارئ المتعطش لمعرفة المجتمع المصري الأصيل من خلال ريفه النقي حين يقرأ ” حواديت الفرن ” حيث يتعرف على الصالح و الطالح من العادات و القصص و قليل من فلسفة الكاتبة الكامنة بين السطور .

التعليقات مغلقة.