موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

حينما يغني الشنفرى في مرابع العالم الجديد بقلم قاسم المحبشي

248

حينما يغني الشنفرى في مرابع العالم الجديد بقلم قاسم المحبشي

يوميات شاعر عربي في امستردام. الدكتور سعيد الجريري، ينتمي إلى تلك الواحة الخضراء في جنوب الصحراء مرابع شعراء المعلقات في أرض دمون أمرئ القيس وقيس بن الملوح وطرفة بن العبد والشنفرى. شاعر وناقد واكاديمي مثقف من العيار الثقيل. عرفته في بغداد في شارع حيفا الجميل وترافقنا في رحلة علمية من بغداد إلى البصرة وفي سنوات النار والرماد التقينا في عدن والمكلا. فهمني وفهمته وسط رهط من الادعياء والاغبياء. أفضل اكاديمي عربي قرأ البردوني قراءة نقدية سيميائية مثقفة في كتاب ( شعر البردوني دراسة أسلوبية) يكتب الشعر الفصيح والعامي والغنائي والحر. غنى له كبار فناني حضرموت والخليج. ضاقت الأرض به بعد أن لمع نجمه مثقفًا ملتزمًا وصوتا لمن لا صوت لهم في جنوب الجزيرة العربية. حاصره الظلام والتهديد فغدا غريب الروح والجسد في وطنه.
فتذكر لامية الشنفرى:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم
فإني إلى قوم سواكـم لأميلُ
فقد حُمّتِ الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ
وشُدّتْ لِطِيّاتٍ مطايا وأرحل
وفي الأرض منأًى للكريم عن الأذى
وفيهـا لمن خـاف القِلى مُتعزّل

وأتذكر أنني قرأت له في زمن مضى مقالا نقديا رائعا عن بيت الشاعر الجاهلي تميم بن مقبل:
ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر
تنبو الحوادث عنه وهو ملموم!

في عام 2014م استقر به المقام في بلاد الشمال أمستردام وهناك اتقدت أنا الشاعر العربي الخلاقة في ديوانه الجديد من يوميات الشنفرى فأنشد:

أمستردام
ضاق الأفق بي
فاتيت
فردا
ليس يؤويه زحام
فضميني، أمستردام
بي برد
وصيفك دفئه
للواجفين سلام

أمستردام
لي وطن
اضاعته الحماقة
في زحام
قاحل

إن رد فعل (الأنا) الخلاقة كانت حلماً خافق الجناح نحو البحار البعيدة صوب المرابع الندية بلاد العدل والنظام وكرامة الإنسان حيث الحرية والحب والحنان والسلوى والجمال المثير. هكذا فجرت التواردات والمشاعر اللاواعية روح نورس البادية الحضرمية ليطلق جناحيه للريح بحثاً عن الأنس والسلوى والسلام والاستقرار فيما وراء الصحاري القاسية والزحام القاحل فأنشد في الطريق إلى الواحة الحانية:

ها أنت
وحدك
في طريق
لست تعرف منتهاه
والريح تعول في فيافي الجنة الخضراء
وحدك
في الطريق
على قطار
لست تعرف من خطاه
شيئا سوى

Emmen تسلمك إلى Zwole
حيث الكامب
والغرباء مثلك بانتظار عدالة الغرباء

على عكس قول درويش: “الخبز مرُّ في بلاد الآخرين وطعم الماء مالح! وجد شنفرى الزمن الجديد انسه بين الغرباء كما وجد سلفه صعلوك العرب الشهير الشنفرى أنسه بين ضواري الصحراء:

وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأََلُ

هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ

والفرق شاسع بين غربة الصحراء وغربة هولندا حيث المجتمع المدني في أبهى تجلياته.وذلك هو معنى المجتمع المدني الحقيقي “فالمجتمع المدني هو مجتمع الغرباء لا مجتمع الاقرباء إذ أن المجتمع الحميمي يجعل الحياة المدنية أمراً مستحيلاً. فالناس لا يستطيعون تطوير علاقاتهم مع الآخرين إذا عدوها غير مهمة لكونها علاقات لا شخصية. والمجتمع الحميم على عكس تأكيدات أصحابه، هو مجتمع فظ؛ لأن الحياة المدنية ( هي النشاط الذي يحمي الناس من بعضهم بعضاً، ويتيح لهم مع ذلك أن يتمتعوا برفقة الآخر) فالعيش مع الناس لا يستلزم ( معرفتهم) ولا يستلزم التأكد من أنهم ( يعرفونك) … والحياة المدنية تنوجد عندما لا يجعل المرء من نفسه عبأ على الآخرين”
وفي قصيدة اليوم الثامن ينشد الشاعر الغريب:

كأن الله

  • جل الله-
    انشأ خلقه
    أمس، هنا
    ثم أستوى
    فتبارك الرحمن ثم تبارك الرحمن
    كأن الشنفرى
    في ثامن الأيام لا يدري
    أكان الله في الصحراء
    حيث الوحي والقرآن
    أم في ما يراه الآن:
    حيث الشنفري
    إنسان!
    في تلك البلاد التي لم يكن يعرفها الشنفرى في مرابع الصحراء يتسع الدرب والآفاق والمعنى، ويجد الغريب ذاته التي لم يجدها في مسقط رأسه ويشعر بكرامته الآدمية التي أكرمه الله بها:

الدرب لك
فاعبر
وهذه الابتسامة ( شفتها) واللطف ..لك
لا تعجبن
يا (( شنفرى ))!
فالدرب لك ——— الدرب لك
كل المدينة
بنتظارك أن تمر – – – وتُحني الهامات لك
——-
——
—-
ما أجملك
والدرب لك
ما أجملك!

هنا تصل الذات الشاعرة بكينونتها الإنسانية وكرامتها الآدمية إلى قمة هرم إبراهام ماسلو حيث تتعين الحاجة تحقيق الذات بوصفها أرفع الحاجات الثاوية في ذات كل إنسان يعي ذاته ويشعر بها قيمة عليا تستحق التقدير والاحترام. والحاجات لمن لا يعرفها هي:


١- الحاجات الفسيولوجية:

وتسمى البيولوجية أو الفطرية وهي في قاعدة الهرم حيث تعتبر من حاجيات الفرد الأساسية (الطعام – الشراب – الماء – ممارسة الجنس – الهواء – النوم – الراحة – تجنب البرد – تجنب الحر..) وتقوم هذه الحاجات بتوجيه سلوكنا وتظهر آثارها أثناء الحرمان الشديد من أحدها حيث يصبح إشباعها هو المهيمن على سلوك الفرد. ولا ينتقل الفرد إلى المستويات العليا في الهرم إلا إذا أشبع هذه الحاجة.

2- حاجات الأمن:

وهي تعبر عن شعور الفرد بالاطمئنان والسلامة والأمن ويبدو هذا عند الأطفال الذين يتعرضون إلى مواقف والكبار عندما يتعرضون لأشياء تهدد بقائهم (الكوارث – الفيضانات – الحروب – الأمراض – البراكين – الزلازل) دون غض النظر عن الأمن النفسي والأمن الروحي.

3- الحاجة إلى الحب والانتماء:

هنا يريد أن يسعى الفرد إلى أن يحب وإلى أن يكون محبوبا وإلى أن يكون جزءا من الجماعة أي الانتماء ومن هنا فهو يتعاطف مع أفراد أسرته ومع أفراد خارج أسرته وهو يشعر بالضيق عند غياب الأصدقاء عنه وهنا تتجلى وتظهر هذه الحاجة عندما يتعاون الفرد مع أفراد مجتمعه. وعلى العكس فإن التمرد والعصيان المدني نتيجة عدم إشباع هذه الحاجة.

4- حاجات الشعور بتقدير الذات:

الفرد هنا يريد تحقيق قيمته الشخصية ويعظم الدور الذي يقوم به في المجتمع وشعوره بالتميز واحترام مجتمعة له وإشباع هذا يشعر الفرد بالقوة والثقة بالنفس والكفاءة وقيمته وسط الجماعة وعلى العكس قد يشعر بالدونية والعجز والضعف. وهذا الشعور مرتبط بنجاح الفرد في أعماله اليومية.

5- الحاجة لتحقيق الذات:

حسب رغبة الفرد في بلوغ أقصى استعداداته وإمكاناته بقدراته ومواهبه وتعمل هذه الحاجة على تأكيد وجود الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه وهذا يتحقق حسب رغبة كل فرد فهناك فرد يريد أن يكون طبيب أو عالم رياضيات أو تلميذ متفوق وتحقيق هذا يجعل الفرد متمتع بالصحة النفسية السوية وهذا مرتبط بمستوى طموح الفرد وقدراته ومفهومه عن ذاته هل هو واقعي أم غير واقعي.

التقينا في أم الدينا لقاء خاطفا بعد أن تفرقت بنا السبل في كل ناحية واتجاه. جاء من أمستردام وحدثني عن وطنه الجديد وما وجد فيه من علاقات وقيم إنسانية راقية لم تكن تخطر على باله.
ولكنه لم ينس مرابع المولد والصبأ فظل يعاوده الحنين. لكل شاعر ألقه والأمكنة هي هيام الجريري وعشقه الدفين حضرموت وعدن وامستردام فالتغني بها والتغزل بجمالها ومفاتنها بأسلوب حسي باذخ وصريح قد شغل الحيز الأكبر من شغف الشاعر وولهه، كما أن الحنين إلى مسقط الرأس الحبيبة وحسرة البعد والاغتراب عن مراتع الصبا وديار الأهل والأحباب، كانت بمثابة الألم الذي حفز تلك العواطف الجياشة المبثوثة في ثنايا الديون الزاخر بالحنين والأشواق الممزقة في مواطن الاغتراب البعيدة.
إذ تذكر أمرأ القيس الكندي في قصيدة
( بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه))
مؤشّى
بالبشاشة
والعذارى
فقلت له: ألا فلنبك عهدا
مضى.. كنا به غفلاً حيارى
ذكرتك يا أمرأ القيس بسري
وكان السرب منهن توارى
فقلت لصاحبي : لا الموت عذرا
ولا ملك نحاوله.. فمارى!

وفي الديوان قصائد جميلة أخرى لا يسعفني المقام لقراءتها وتقديمها ومنها: في الغرفة ٣١٠، ومن أي صحراء أتيت، ونثيث دافئ، وبشاشة، واشجار الغابة، والممشى، و sms إلى طرفة بن العبد، ورسالة إلى أبي الطيب المتنبي، وإيميل إلى غويا، وخطوات مع شمس التبريزي وغيرها.

وهكذا يبدأ الفن لا من اللحم والدم؛ بل من المكان، والزمان من الفضاء، المنزل، الحي، البلدة، السماء، النجوم ، الغيوم، المطر، الأرض، الشمس، القمر، الشجر، البحر، الموج، الصحراء، الرمال، الجبال، الوديان، الأنهار، الأنوار، الظلال، الأشكال والألوان، الغناء، الرقص، النحث، الرسم، الأزياء، الألعاب، الحيونات ، العصافير، الأعشاش الذكريات وكل تلك الأشياء الصغيرة الحميمة المؤطرة في حياة الإنسان التي يستلهمها ويعيد صياغتها إبداعياً (أغنية أو قصيدة أو قصة أو رواية أو لوحة تشكيلة فنية جميلة..الخ) أنه أغنية الأرض المنتزعة من أرضها رمزياً بما يحمله من رسالة جمالية ذات دلالات ومعان اجتماعية ثقافية إنسانية سامية تهذب الأذواق والنفوس، والفنان لا يأتي بالمعجزات؛ بل هو ابن بيئته وربيب زمانه تمنحه موهبته المرهفة القدرة على إعادة صياغة الحياة في قالب فني يسر النظر، ويطرب السمع، ويبعث الشعور بالمتعة والفرح والجمال.

أخبرني الدكتور سعيد الجريري أنه يكتب الشعر باللغة الهولندية ويشعر بألفه حميمة مع البيئة الثقافية الجديدة. في أخر اللقاء أهداني ديوانه واهديته كتابي في ما يشبه الانتظار وفي إستئناف الدهشة ثم ركب الهولندية وطار وبقيت أنا في أم الدنيا التي منحتني الحب والسلوى.

التعليقات مغلقة.