موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

خادم المقبرة بقلم لينا نجمه

279

خادم المقبرة بقلم لينا نجمه

سألتني إحدى الأخوات يوماً بعد أن تجاوزت غربتي العشرين عاماً : ما أكثر شئ تفتقدينه هنا وتشتاقين له في بلدك ؟
لم يكن سؤالا عابراً بالنسبة لي وربما اختُصرت في تلك اللحظة سنيّ عشرين عاماً مضت من عمري في حالة شريط متحرك في ذاكرتي …لم أتردد كثيراً في الردّ وأجبتها والدموع في عيني : مقبرة الحيّ عندنا .. نعم أشتاقها شوقي لأهلي وصحبتي وخلّاني …أشتاق هواءها النقيّ الذي تستطيع أن تميّزه عن الهواء خارجها رغم أنه لايفصل بينهما إلا باب حديديّ، لكنه هواءٌ مختلف تتنشق معه عبير الآخرة ورائحة الغائبين الحاضرين هناك …هواءٌ يتسلل الى أوردة قلبك بكل هدوء؛ ليسرق منه ما أهمه وأغمه ويُبدله سكينةً وهدوءً واطمئناناً ….
السلام عليكم أهل ديارٍ مؤمنين أنتم السابقون ونحن بكم إن شاء الله لاحقون ….
لم يكن يمر يوم جمعة إلا ويجب أن أزور المقبرة لا أدري كيف استطاعت جدتي رحمها الله أن تقنعني أن يوم الجمعة يُستحب فيه زيارة المقابر ؟! ولعل الله تعالى ألهمها ذلك؛ ليجعلني أرتاد ذلك المكان كلما قسى قلبي وضاقت علي نفسي وأثقلته هموم الدنيا ….كان شيئاً ما يجذبني إليها لا أعلم ماهو !!
حتماً ستجد نفسك هناك وأنت تنظر إلى بيتك الحقيقي ينتظرك؛ لتدخل فيه بشحمك ولحمك وذنوبك وأعمالك الصالحة والطالحة وقرآنك وأذكارك وحقوق الناس عليك ….
في كل مرة كنت أضيع قبر جدي رحمه الله وأبحث عنه بين القبور ولا أجده إلا بعد أن يراني خادم المقبرة : تعالي يا ابنتي قبر جدك هنا ، ويدلني عليه …صار خادم المقبرة جزءا من حياتي بيديه المغبرتين وسرواله القديم ومخطوطات وجهه الحزين البائس، وكأنه كان ينتظرني كل جمعة ويسألني نفس السؤال : هل تريدين أن أسقي لكِ القبر ؟ وينتظر بعض النقود أضعها في يده، ثم يبتعد ويتركني وحدي …..وهذه المرة جدتي تقبع في القبر المجاور لجدي …ليتك ياجدتي تستطيعين أن تخبرينني ماالذي يحدث تحت هذا التراب ؟
تُرى متى هو دورنا ليُحثَى التراب علينا حثواً، ثم ينطلقوا وكأن شيئاً لم يكن ….ولتبقَ أنت وربك وعملك …كان البكاء له طعمٌ آخر هناك.. كنت أشعر أن حدقة عينيّ تحرقني، ثم أجلس على التراب مباشرةً، وأحاول أن أجعل دموعي تختلط بتراب المقبرة ،علّ ذلك يكون سبباً لقبول توبتي عند الله تعالى …مشاعرٌ يشاركك فيها كل من تحت التراب ..نعم كلنا الآن بأمس الحاجة لرحمته سبحانه وتعالى …هذا الشعور وحده يغسل باطنك وقلبك ويرفعك إلى حيث أراد الله لك ….
كانت آخر زيارة لتلك المقبرة قبل سفري بيوم …يومها ذهبت باكراً جداً وودعت أهلها قبراً قبراً، كانت تلك هي عائلتي الثانية التي أحبها من كل قلبي وعندما توجهت إلى خادم المقبرة لأودعه ، اغرورقت عيناه بالدموع وقال لي : يا ابنتي لعلك تعودين بعد سنين ولاتجدينني فوق الأرض فإن لم تجدينني فاسألي عن فلان بن فلان بين أصحاب القبور وقفي عند قبري وقولي يارب عُبيدك الفقير بين يديك يستجير فادعُ لي، وتصدّقي بما كنتِ تعطينني إياه على أمي المريضة ..
بعد سنة واحدة عدت من سفري ثم توجهت الى المقبرة …استقبلني شاب أربعيني العمر علمت حينها أن خادم المقبرة لم يعد فوق الأرض، سألت عنه فدلني على قبره، وقال لي هذا قبره، وهذا قبر أمه بجانبه!! …فعلت ما طلبه مني وبكيت يومها حتى الثمالة …كم هي قصيرة هذه الدنيا! وكم يقطن فيها أولياء لله لا نأبه لهم ولكن مقامهم عند الله عظيم !
.هذه المحطات المتميزة في حياة كل منا تصقل فيك شيئاً ما وتغير داخلك أشياء أخرى ولكنك تحتاج لملكة الفهم على الله ……

لينا

التعليقات مغلقة.