” خلود المبدع ..ميكانزم الصمود والإبداع “
دراسة نقدية تحليلية لقصيدة “أنا باقٍ”
للشاعر/ مصطفى شعراوي نقد وتحليل /أسامـة نــور
” خلود المبدع ..ميكانزم الصمود والإبداع “
دراسة نقدية تحليلية لقصيدة “أنا باقٍ”
للشاعر/ مصطفى شعراوي نقد وتحليل /أسامـة نــور
النص . “أنا_باقٍ”
سَأُعْلِنُهَا عَلَى مَلَأٍ
بِلَا وَجَلٍ
وَلَا خَجَلٍ
مِنَ التَّكْرَارْ
حُضُورِي هَاهُنَا بَاقٍ
وَلَنْ يُمْحَى مِنَ التَّذْكَارْ
وَلَيْسَ لِأَنَّنِي عَلَمٌ!
وَلَيْسَ لَأَنَّنِي جَبَّارْ!
وَلَيْسَ لِأَنَّ بِي سِرًّا
مِنَ الْأَسْرَارْ!
أَنَا بَاقٍ بَقَاءَ الْمَاءِ
بِالْأَنْهَارْ
أَنَا نَغَمٌ
كَمَا النَّسَمَاتِ فِي الْأَسْحَارْ
أَنَا بَاقٍ
كَمِثْلِ أَذَانْ
يَقُضُّ مَضَاجِعَ
الْفُجَّارْ
أَنَا بَاقٍ كَعُصْفُورٍ
يَخُطُّ مَدَاهُ
بِالْأَشْجَارْ
فَلَا الصَّيَّادُ
يُمْكِنُهُ مُجَارَاتِي
سِوَى أَنِّي
أَسِيرُ الْحُبِّ
لِلْأَخْيَارْ
أَسُوقُ الْعِطْرَ
لِلْأَحْبَابِ مُبْتَسِمًا
وَإِنْ يَأْبَوْا
فَلَسْتُ أُضَارْ
وَفِي عَيْنِ الْعِدَا
ظِلِّي كَسِجِّيلٍ
يَدُكُّ مَرَاتِعَ
الْأَشْرَارْ
فَلَا تَأْسَوْا
وَلَا تَهِنُوا
وَلَا تَتَعَجَّلُوا
الْأَخْبارْ
النقد والتحليل :-
مقدمة:-
رغم تعدد فنون اللغة ،والأدب ،والتعبير ، يبقى للشعر وقع في النفس وتأثير أخاذ،وجاذبية ،ومتعة خاصة ؛ فهو بما يضم من فنيات ،ووجدان ، وفكر ، يجعل المتلقي يتجاوب معه ويتماس ، ويستمتع بتلقي الشعر ويسعد به .
الشعر ذاتي ينبع من عاطفة الشاعر ،وقدرته على التعبير عن مشاعره وأحاسيسه ،في إطارمن الجماليات ،وفنيات الإبداع .
**فهل ينحصر دور الشعر والأدب على الاستمتاع فقط ،ويكون الفن للفن كما ذهب إلى ذلك ( كلايف بل ) في كتابه “الفن ” ؛فيكتب الشاعر عن نفسه ،وذاته ولا يأبه لمجتمعه وما يدور فيه ،
أم يكتب المبدع في قضايا المجتمع ؛ليكشفها وينبه إليها
كما تقول نظرية الفن للمجتمع ورائدها الفيلسوف” تين “
كما ذهب إلى ذلك الكاتب الروسي” ليو تولستوي “في كتابه
” ما الفن “
وفي رأيي :-” أن للشاعر والأديب دورًا في مكاشفة المجتمع ، وإظهار السلبيات التي يعانيها ، فالأدب مرآة المجتمع ..
والشاعر ليس مطالبًا بإيجاد حلول لقضايا المجتمع ،ولكنه مطالب بعرض هذه القضايا والتبصير بها، ويجب أن يحافظ على شاعريته ،وصياغة هذه القضايا في قالب من الفنيات وآليات الإبداع .
وفي رأيي أيضًا ” أن كل شاعر فيلسوف وليس كل فيلسوف شاعرًا “فالشاعر يحس ويشعر ،ينظر، ويتأمل ،ويتدبر .
ويفوق الفيلسوف في صياغة رؤيته ،وأفكاره ،ومشاعره في قالب فني محكم يجمع بين الإمتاع والإبداع .
——–؛؛؛؛؛؛؛؛———
**” “في ماهية العنوان ،ودلالته”
إن للعنوان دوره المؤثر في النص ؛ فلم يعد العنوان مجرد كلمات ،تقال في بدايته ، إنما أصبح جزءًا من النص لا ينفصل عنه ،بل هو عتبة رئيسة من عتباته، وهو نص مصغر يدل على النص الأصلي ، وكلما كان العنوان مؤثرًا في عاطفة المتلقي ويثير فكره ،كان ذلك محفزًا له على قراءة النص واكتشافه..
لهذا ظهر حديثًا ” علم العنونة ” ودراسات كثيرة أشهرها
كتاب عتبات النص ” الناقد الفرنسي جيرار جينت ..وكذلك
دراسات الكاتب الناقد “ليو هويك “
ونجد ذلك في العنوان (أنا باقٍ )أنا ضمير متكلم للتأكيد والفخر والاعتزاز في محل رفع مبتدأ….(باقٍ )نكره للتعظيم جاءت على صيغة اسم الفاعل ..خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة ..والشاعر مبتدأ..ويسري خبره في الآفاق ويبقى ذكره عبر العوالم والأزمان ..
بقاء الروح والإبداع ، خلود المبدع المبتكر ، رغم جفاء الواقع وتحدياته..وعدم تقدير المبدعين والمفكرين ..
فيوصد الباب أمامهم ،ويُفتح- على مصراعيه – للأفاقين المخادعين الذين ينشرون السفه والغث الرديء
إنها صرخة تحدٍ في إباءوكبرياء ..إنها يقين الشاعر أن التاريخ لا يذكر إلاالمبدعين، و الشرفاء يقدرهم ويعلي شأنهم ..ويستمر عبق فكرهم وإبداعهم يخالط الماء ،والهواء فيسري في خلايا الجسد البشري على امتداد العصور والأزمنة ؛يشكل الوعي ويؤرخ للجمال ..
.——–؛؛؛؛؛؛؛———-
…**”من حيث الشكل والموسيقى” :-
النص من حيث الشكل ينتمي للشعر الحر ( شعر التفعيلة )
فقد التزم الشاعر تفعيلة بحر الوافر “مفاعلتن ” فجاءت الموسيقى قوية سريعة تناسب الحالة الشعورية ..المعبرة عن الإصرار والتحدي …
كما التزم الشاعرة القافية الدوارة في نهاية كل مقطع شعري
وكذلك حرف الروي الراء ،لهذا كانت الموسيقى الخارجية حاضرة بجمالها وعذوبتها وتناغمها..
بالإضافة للموسيقى الداخلية من خلال الجمل السريعة المتناسقة ..والجناس والتضاد
——؛؛؛؛؛؛———
***من حيث ” المضمون ،فنيات الإبداع “
نص” أنا باق”….هو تثبيت للنفس ، وعودة الثقة والدافعية للإبداع والإنجاز ..
،هو انتزاع الشك والريبة في جدوى ما يقوم به المبدع الذي
لا يجد التقدير في مجتمع غلبت عليه السفسطة،الجهل
يعبر عن نظرية “خلود المبدع “..التي يؤكدها شاعرنا مصطفى شعراوي ..
ونجد ذلك في بداية النص
سَأُعْلِنُهَا عَلَى مَلَأٍ
بِلَا وَجَلٍ
وَلَا خَجَلٍ
مِنَ التَّكْرَار
حُضُورِي هَاهُنَا بَاقٍ
وَلَنْ يُمْحَى مِنَ التَّذْكَارْ
وكأنها صرخة تحدٍ..أنا باق بإبداعي ..وأفكاري ..ويؤكد ذلك بقوله ..ولن يمحى من التذكار ..
هي بقاء الفكرة .”.والفكرة لا تموت
..
**التصوير والخيال :-
يتحدث الشاعر عن فكرة الخلود والبقاء ..والضرورة الحتمية للفكر والإبداع …فهما من العوامل الرئيسة ؛لبناء الأمم وتقدمها
لهذا استخدم التصوير والتشبيه الذي يقرب هذه الرؤية العقلية ويربطها بالمحسوس ..
قصور وربط بقاءه ..ببقاء الماء ..النسمات..الأذان ….يحلق ويسبح في حرية العصفور …
فيقول
أَنَا بَاقٍ بَقَاءَ الْمَاءِ
بِالْأَنْهَارْ
أَنَا نَغَمٌ
كَمَا النَّسَمَاتِ فِي الْأَسْحَارْ
أَنَا بَاقٍ
كَمِثْلِ أَذَانْ
يَقُضُّ مَضَاجِعَ
الْفُجَّارْ
أَنَا بَاقٍ كَعُصْفُورٍ
يَخُطُّ مَدَاهُ
كل هذه الصور لها دلالتها وإيحاؤها ورمزيتها..
وتعبر عن الضرورة ..من أجل البقاء….فالماء سر الحياة
وفي ذلك تناص مع قوله تعالى ” وجعلنا من الماء كل شيء حي”
وكذلك النسمات والهواء ..والعصفور رمز الحرية والانطلاق ..
ويؤكد ذلك مهارة الشاعر في التصوير والتأثير على المتلقي
وتقريب الصورة الذهنية بأشياء حسية …
واستخدم الصياد كرمز الحقد والحسد وعوامل الإحباط..
**قيمة الإبداع وأثره
إن الإبداع قيمة في حد ذاته ..يسمو بالمبدع ويعلو فلا ينال منه حاقد لئيم فيقول :-
فَلَا الصَّيَّادُ
يُمْكِنُهُ مُجَارَاتِي
سِوَى أَنِّي
أَسِيرُ الْحُبِّ
لِلْأَخْيَارْ
أَسُوقُ الْعِطْرَ
لِلْأَحْبَابِ مُبْتَسِمًا
وَإِنْ يَأْبَوْا
فَلَسْتُ أُضَارْ
وَفِي عَيْنِ الْعِدَا
ظِلِّي كَسِجِّيلٍ
يَدُكُّ مَرَاتِعَ
الْأَشْرَارْ
يصور إبداعه بالعطر “أسوق العطر” بحب وإن جافوه ..فلا يأبه لهم ..
يقول” ظلي كسجيل يدك مراتع الأشرار”
صورة رائعة فيها القوة والطرافة والجمال “
وفيها تناص مع القرآن الكريم ..في قوله تعالى ” ترميهم بحجارة من سجيل “
في نهاية النص يوجه الشاعر التحذير لنفسه وللآخر من يسير
في طريق الإبداع ويعلي الفكر والجمال، والقيم على التدني والسفة .
فيقول :-
فَلَا تَأْسَوْا
وَلَا تَهِنُوا
وَلَا تَتَعَجَّلُوا
الْأَخْبَارْ
تكرار النهي للنصح والإرشاد … والتحذير من اليأس والقنوط ..حث على الثبات وبعث الثقة في النفس..
**…نص جميل يحوي الجمال والفنيات من حيث الشكل
والموسيقى العذبة المتناغمة ..والحركة والإيقاع الملائم للجو النفسي….وهو كذلك إبداع فريد من حيث المضمون ..فهو يتماس مع الآخر يعبر عن مشاعر كل مبدع حقيقي يرفع راية
الإبداع والتنوير في غياب السفاهة والجهل..
عبر الشاعر عن فكرته بإيجاز ..وتلميح ،واستخدام التناص …والصور الطريفة الرائعة ..
فنجد الحركة والحيوية والقوة ..والروح الحرة التي تسري في النص…لتعبر عن الخلود والبقاء …
قصيدة تحقق الإبداع والإمتاع ..
تحياتي أسامة نـور
التعليقات مغلقة.