دكان حارتنا قصة قصيرة…رمزية عن فلسطين بقلم د. محمد محي الدين
على باب حارتنا يوجد دكان( عم
راضي) ،منذ عشرات السنوات وأنا أراه بنفس الهيئة لا تغيير؛ اليافطة التي يكسوها التراب وخيوط العنكبوت والأبواب الخشبية المصنوعة من أقوىأنواع الخشب الذي لا نراه الآن ،ويقول دائما أنه آت من السودان أيام الملكية عندما كانت تحت مظلتنا
…ومن خلف الفترينة الصغيرة أجد (عم راضي) بشاربه ،ووجه الأسمر ،وصلعته بلا تعبير على الوجه تميزه به، فلا تعرف أيضحك أم حزين …؟
ابناؤه دائما ما يتفاخرون بموقع الدكان السحري الذي يربط شرق الحارة وغربها ،ولابد أن تمر عليه حتى تصل إلى المكان الذي تريده داخل الحارة والحارات المجاورة…
الغريب أن كل أولاده لم يستمروا في العمل بالدكان وكلهم هجروه إلى بلاد الخليج عندما فتحت ذراعيها بعد ظهور البترول ،وجاءت ما سموه هناك سنوات الطَفرة…
لم يبرح مكانه واستمر يزاول نشاطه رغم إلحاحهم عليه بأن يغلقه ويستريح وقد تيسرت الأمور معهم وأصبح المال يجري بين أيديهم…
كان دائما يردد.
:(.حياتي تنتهي يوم ما أقفله…أنا وهو زي التوم يقصد توأمان..)
ظل معلما نتحاكى به أمام أقراننا ومجالا للإستحسان من ساكني المناطق الأخرى ،عندما يعلمون أننا جيران دكان عم راضي…
كنت ذات مرة أشتري منه المواد التموينية التي تدعمها الحكومة للمواطنين..تجاذب معي أطراف الحديث
:(تعرف يا حسين يا ابني وانا ف الحرم ربنا يوعدك كدا وتزور لما رحت عُمرة ف السبعينات اتحصرنا جوا وقعدنا أيام كتيرة لولا جت قوة كبيرة من الجيش وخرجتنا…)
أبديت اهتمامي، مُحدثاً نفسي بأن الرجل بدأ مرحلة الخِرف، فقد تجاوز عمره السبعين على رغم الصحة الواضحة عليه…
:كيف حدث ذلك؟…ومن الذي حاصركم يا عم الحاج راضي…؟!
:بعدما صلينا العشاء وجدنا الأبواب وقد أغلقت ورجال معهم أسلحة احتلوا كل مكان وأحدهم تحدث بالميكروفون بأن المهدي المنتظر معهم وسيعطونه البيعة
سمعتهم بعد ذلك يقولون أنهم مجموعة رئيسهم اسمه (جَهمان) وأنه تم اعدامهم بعد ذلك…
تركته وأنا اقول …حتما هذه أعراض النهاية…
بعد هذا الحوار بأيام ..جآءنا خبر وفاة عم راضي..،.وكما توجست خيفة من قصته التي أول مرة أسمع بها وأحسست بقرب وفاته..لماذا لا أدري لكن هذا الواقع الذي حدث بالفعل..
السؤال الذي ساد بعد الوفاة…ماالذي سيفعل أولاده بالدكان..؟!
.وانتظرنا أشهر…،واذا باليافطة التي صافحت وجوهنا سنوات، والجدران التي كنا نحس بالدفء عند المرور بجوارها..تم إزالتهم جميعا وحل مكانهم مبني شاهق جميل المنظر لكنه بارد لايوجد بيننا وبينه ود..
وبعدما كانت الدكان بالنسبة لنا مصدر جذب واطمئنان بالحارة…علي العكس من ذلك صار البديل…
يوم افتتاح المبني الجديد الذي يطلقون عليه…(موول)…وجدنا عربات فخمة وأناس تدل ملابسهم أنهم من أثرياء البلدان الأوربية
مالَ عليّ أحد الجيران قائلا…
( الملاك الجدد اللي اشتروا الحتة من أولاد عم راضي….)
فجأة لمعت برأسي قصة عم راضي عن الذين احتلوا الحرم
فهمست.
:(رحمة الله عليك يا عم راضي…)
التعليقات مغلقة.