دمعتان بينهما نصف قرن بقلم نادي جاد
أوقف سيارته المرسيدس الفارهة أمام مدخل البرج الفخم الذي. يسكنه..اسرع الحارس إليه.. حمل عنه كرتونة كبيرة تفوح منها رائحة المشمش .تحلق أطفاله حوله . تبع الطفل الاصغر أباه إلى باب المصعد ،نظر إلى الكرتونة بعينين زائغتين، وأخذ شهيقا عميقا كأنه يريد أن يملأ رئتيه بالرائحة التي تنبعث منها. لمحه المهندس الكهل ، شعر كان يد تمسك بخناقه وتهزه هزا وصوت من الأعماق يصرخ فيه : أن تذكر
نادى على الحارس فالتفت إليه وكان لازال واقفا ينتظر المصعد
حسن. ادخل الكرتونة إلى حجرتك..اقسمها بالتساوي، خد النصف للأولاد واصعد بالنصف الباقي
..علت الدهشة وجه الحارس ولم يتكلم ولكنه ظل واقفا وجاءه صوت المهندس حازما وآمرا
اعمل كما قلت لك
قال هذا وهو ينظر في ساعته
دق جرس الفسحة..انشغل الأطفال بفتح حقائبهم كي يأخذوا السندويتشات خاصة أن التغذية لم تأت المدرسة اليوم.. طفل وحيد لم يفتح حقيبته لم يأخذ شيئا خرج من الفصل مسرعا ليجلس وحيدا على مقعد خشبي على جانب من فناء المدرسة..جلس صامتا ينظر بعينين زائغتين منكسرتين إلى . رفاقه وقد انكب كل واحد على طعامه..كان جائعا مثل كل يوم، لكن اليوم يختلف كثيرا حيث أن قرصة التغذية التي كانت تشبع جوعه لم تأت..
قدم زميله الذي يشاركه نفس التختة وجلس بجواره، كان دون قصد يزيد من احساسه بالجوع ، بالحزن لكنه لزم الصمت
فجأة أخرج الصبي القادم سندوتشا من كيس من البلاستك وقدمه لزميله الجائع، لكنه رفض بإصرار وقال وهو يبعد يد صديقه
انا شبعان ..اكلت الصبح ومقدرش اكل تاني
ببراءة الملائكة قال الصبي
لازم تاخد ..ماما هتزعل جدا ..انا حكيتلها عنك وقالت لازم تديله من اي حاجة بتاكلها..حرام ده غلبان
اغرورقت عين الصبي بالدموع..رفض بإصرار وجرى يبكي بعيدا..يبكي في الخفاء
داخل المصعد ..اخرج منديلا من جيبه يجفف به عين الطفل الساكن في أعماقه
التعليقات مغلقة.