“دواء لقلبي” بقلم محمد كمال سالم.
كان جُرحها غائرًا،كان كافيًا أن يدفعها للهرب.
توسلت إلي أبيها أن ينتقلا إلي مسكن جديد في مدينة بعيدة،علي أطراف العاصمة،آملةً
أن يعينها تغيير الصحبة والبيئة على أن تسلو،علي أن تبدأ حياة جديدة بلا أحبة!! بلا أصدقاء.
في شرفة مورفة بتلك “الفيلا” التي استأجرا دورها الأرضي،كانت جلستها المعتادة،كزهرة نادرة في جصةٍ،ملها من اقتناها،حتي نسىّ سقايتها.
في محاولةٍ للاستشفاء،تصد كل من يحاول اقتحام وحدتها.
وذات أصيل،مرَ أمامها شاب يخرج من البناية نفسها التي تسكنها،جذب انتباهها مشيته الوقور،حلته الأنيقة في غير تكلف،شعره الممشط في انسيابية وأناقة،راحت تختلس النظر إليه في مروره،وهو لا يراها،إلا عندما استدار يفتح سيارته المنتظرة أمامها غير بعيد،التقت عيناهما،كان متبسمًا،يهم بتحيتها،ولكنها هربت بناظريها إلي هاتفها الجوال تختبئ في صفحته.
تكرر المشهد في أيام متتالية،قد اعتادت موعده.
،عنفَت نفسها لائمة” لقد آلت علي نفسها،أن تعتزل الناس” ولكن،،
يكاد يقتلها الملل،تريد أن تتكلم إلي أحد ما،رغم أن أباها المُسن،لم يدع حيلة للتسرية عنها،لكنه لم يفلح.
في ذات مساء، كانت تستمع للراديو،صادفها هذا البرنامج:
موسيقى التتر شجية،يصحبها صوت المذيع الرخيم :
دواء لقلبك عزيزي المستمع،يصفه إليك عليل مثلك،أهلًا بكم أستمع إليكم.
داعب شعورها صوته العذب،وصدقت كلماته المخلصة،ثم تابعت حكايا المتصلين والمتصلات،ووجدت في هذا البرنامج تسرية عنها،وأمست تحرص علي متابعته،والاستماع إلي هذا المذيع.
التقطت رقم هاتف البرنامج وسجلته علي هاتفها،رغم يقين في اعماقها، إنها أبدًا لن تتصل.
أصيل جديد يمر عليها،تنتظر هذا الشاب الوسيم في موعده الذي اعتادت أن تراه،،لكنه لم يمر!
نال منها الفضول،خرجت للحديقة تبحث عن حارس العقار،تبحث عن ذريعة كاذبة تسأل عن هوية هذا الشاب،ثم توقفت تسأل نفسها:
ماذا تفعلين؟! هل تفعلينها مرة أخرى ومازال الجُرح نازفًا؟!
لااااا،لا لن أفعلها ثانيةً،واستدارت عائدةً،وإذا بالشاب ضالتها أمامها يمنحها ابتسامة،يقدم لها وردة بيضاء نضرة.
ارتجفت،ارتبكت،تلعثمت،أهملت وردته وانصرفت مسرعةً،عائدة إلي مخبئها،يسبقها قلبها المضطرب للاختفاء خلف الباب.
أخذت موضعها المعتاد في شرفتها تلهث،غير مصدقةٍ مستنكرةً تهورها،تعترك خلجاتها وقلبها بين رفض مغامرتها وبين القبول.
هدأ روعها مع انطلاق برنامجها المفضل، ومذيعها الذي تصدقه،عبثت بالرقم مترددة،ولكنها فوجئت بمن يرد عليها من الطرف الآخر من الهاتف.
صوت نسائي: أهلًا بكِ سيدتي،أنتِ علي الهواء.
هي: ولكني! عفوًا لا أريد ال…..
هو: معنا متصلة جديدة،أسمعك سيدتي.
نعم إنه هو بصوته الدافئ.
هي: ولكني ما أردت الاتصال كنت فقط…
هو: ولكنك معنا علي الهواء،فلا تترددي،ولستِ ملزمة بالإفصاح عن هويتك سيدتي.
هي: نعم،،كنت في حاجة للحديث،ولكن مثلي…
هو: لا تذيعي سرك،فقط نأتنس بحديثك.
هي: أنا هاربة من خديعة وأدت قلبي الوليد مع أول خفقان.
هو: أجل أسمعك
هي: يائسة أنا،آليت علي نفسي ألا أخوض الأمر مرة أخرى لولا أنه…
هو: إني أسمعك.
هي: لولا هذا الشاب جاري في مسكني الجديد الذي اقتحم وحدتي،حاولت أن أتجاهل ظهوره المفاجئ،لكنه اليوم حاول أن يقدم لي وردة بيضاء جميلة،ولكني
تركته خائفة هاربة.
صمتت برهة ثم أردفت:
حسبته حين النظر إليه من بعيد سعيدًا هكذا تقول ابتسامته المشرقة،وعندما دنا مني،
وجدت ابتسامته ماهي إلا قناع لحزن كبير رأيته في عمق عينيه.
هو: هل كان حزنه سبب هروبك؟!
هي: بل يأسي في وفاء من أحب، كاد أن يدفعني للانتحار.
هو: من يقدم علي الانتحار، آملاً أنه سيكون أفضل حالًا هناك،
ليتك قبلتِ وردته،ربما يكون محبًا
مخلصًا.
ثم أضاف المذيع: يبدو أننا فقدنا الإتصال،فاصل قصير ثم نعود.
كانت لاتزال معه علي الهاتف حين
ادعى أنه فقد الإتصال بها،فأيقنت أنها تجاوزت وقتها المتاح.
وذابت مع الأغنيات الشجية في الفاصل الذي طال علي غير العادة،
وأحست بعد المكالمة بالانشراح.
وبينما هي علي تلك الحال،إذا بالشاب جارها هذا،يقف أسفل شرفتها في
مشهد أفلاطونيّ،يرفع إليها صحبة من الورد الأبيض النضر،وقال لها:
سيدتي إذا كانت وردتك مثل هذه الصحبة؟
أرجو أن تقبليها.
التعليقات مغلقة.