دَولَةُ ” الخَطَّارة ” بقلم عيد هاشم الخطَّاري
عِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنِ الخَطَّارِةِ .أَعنِي قَريةً لَكِنَّهَا تُحَاكِي مَدِينةً بِروْعَتِهَا وَجَمَالِها.
فَمَنْ لَا يَعرِفْ للخَطَّارِةِ قَدرَهَا ؛ فَهَوَ نَاكِرٌ لِلمَعرُوفِ، وَخَائِنٌ لِكُلِّ جَمِيلٍ ؛ فَمَشَايِخُ الخَطَّارَةِ وَمُعَلِّمُوهَا جَالُوا مُعظَمَ بُلدَانِ مُحَافَظِةَ قِنَا ، وَأَعنِي بِكَلامِي هَذَا قِنَا وَالأقْصُرَ آنَذَاكَ عَامَةً، وَمَركَزَ نَقَادَةَ خَاصَةً . وَنَقَشَ كُلُّ شَيخٍ وَمُعَلِّمٍ اسْمَهُ فِي قُرَاه المَجَاوِرَةِ . سَلْ أجْدَادَكَ عَنْ هَذَا التَّارِيخِ . مَنْ عَلَّمَ جِيرَانَهَا كَيفَ يِمْسِكُونَ الرِّيشَةَ وَالقَلَمَ ؟! وَمَنْ عَلَّمَهَمْ كَيفَ يَنْطِقُونْ بِالحِكَمِ ؟! ، بَلْ وَمَنْ عَلَّمَهُمْ كَيفَ يَخُطُونَ وَيَكْتُبُونَ وَيَحسِبُونَ وَيِقِيسُونَ ؟!!!
فَلْتَذْهَبْ إلَي أَي مُحَافِظَةٍ تُخْطُرُ بِبِالَكَ مِنْ مُحَافَظَاتِ مِصرَ ؛ سَتَجِدُ هُنُاكَ رَجَالَهَا يَقِفُونَ بِأَرجِلِ ثَابِتَةٍ يَعمَلَونَ وَيَصنَعُونَ ، يَأَمَنُهُمْ مَنْ يَجَاوِرُهُمْ وَيُحِبُّهُمْ مَنْ يَصَادَقُهُمْ ؛ فَالخَطَّارِةُ عَظِيمَةٌ بِرِجَالاتِها الفُضَلاءِ وَنَسَائِهَا الفُضْلَيَاتِ .
وَلَكِنْ كَمَا قَالَ المُتَنَبِّي : “لا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنْ الأذَي _ حَتَّي يُرَاقُ عَلَي أَسَافِلِهِ الدَمُ “
فَمِنَ البَدِيهِيِّ أَنَّ لِبَلَدٍ مُتَرَامَيةِ الأطرَافِ أَنْ يَكُونَ بِهَا عَكْسُ مَا نَتَحَدَّثُ مِنْ السَّفَهَاءِ وَالمُخَرِّبِينَ .لَكِنَّهُمْ مَنْبُوذُونَ حَتَّي مِنْ أَقْرَبَ النَّاسِ لَهُمْ ، فَلا يِعرِفِونَ لَهُمْ قَدرًا وَلَا يَقِفَونَ لَهُمْ إِجلالا . كَمَا هُوَ الحَالُ فِي كُلِّ العَالَمِ ، فَالسِّيئُونَ مَكْرَوهُونَ أَينَما حَلَّوا أَوْ نَزَلُوا.
فَعِنَدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ الخَطَّارِةِ ، فَإنَّنَا نَتَحَدُّثُ عَنْ عَظِيمٍ . تَذَوبُ فَيهَا الصِّرَاعَاتُ وَالنِّزَاعَاتُ العِرقَيةُ الكَاذِبَةَ ؛ فَالخَطَّارَةُ وَبِفَضْلِ الله نَسِيجٌ وَاحِدٌ مِنْ أقْصَاهَا إلَي أقْصَاهَا ، فَالعَمُّ هُنَا وَالخَالُ هُنَاكَ ، وَابنُ أَخِي هُنُا وَابْنُ أخْتِي هُنَاكَ . هَذَا مَا يَجْعَلُ مُشْكَلاتُهَا سُرعَانَ مَا تَنْحَلُّ عُقَدُهُا أمَامَ كُوبٍ مِنَ الشَّاي أَوْ فِنْجَانٍ مِنْ قَهْوَةٍ .
دُمْتَ سَالِمًا أَيُّهَا البَلَدُ الطَّيِّبَ ، وَحَفِظَكَ اللهُ مِنْ شِرَارِ خَلْقِهِ .
وَعِشْتَ مُنَّعَمًا بِفَضْلِ اللهِ عَلَيكَ فَقَد عَاشَ فِيكَ مُسْلِمُوكَ وَأَقْبَاطُكَ مُتَضَافِرِينَ حَبْلًا وَاحِدًا . شِعَارُهُمْ الدِّينُ للهِ وَالوَطَنُ لِلجَمِيعِ . فَالأفْرَاحُ مُتَبَادَلَةٌ وَالأحزَانُ مَشَارَكَةٌ يَتَقَاسَمُهَا البَعضُ كَمَا يَتَقَاسَمُونَ لُقْمَةَ الخُبْزِ بَينَهُمْ ، وَقَد أَرَانَا اللهُ ذَلكَ بِأَعينَنَا .
لَذَا أُنَادِي الشَّبابَ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَي هَذَا المَجْدِ ، وَالتَّارِيخِ ، وَأَنْ يَدَعُوهُ يَلْمَعُ ، وَيَتْرُكُوا عَلَمَ الخَطَّارَةِ خَفَاقًا كَمَا هُوَ .
وَيَأخُذُوا عَلَي أَيْدِي السُّفُهَاءِ حِفَاظًا عَلَي أُسَرِهِمْ وَذَوِيهِمْ مِنْ الضَّياعِ ، فَهُمْ أَوَلُ مَنْ يَقَعُ بِهِم الضَّرَرُ وَيَدفَعُونَ ثَمَنَ سَفَاهَةِ أبْنَائِهِمْ الشَّارِدِينَ عَنْ السِّربِ ؛ فَتَتَلَقَّفَهُمْ الحِدآَنُ ، الغِربَانُ ، والعُقْبَانُ .
فَأيُّهَا الخَطَّارِيُّ الأصِيلُ كُنْ كَمَا أَنْتَ فَلا يَغُرَنَّكَ قَولُ قَائِلٍ ، وَلا لَمْزُ لامِزٍ .
وَأعلَمْ أَنَّهُ لِلعَالَمِ أَجْمَع حُقُوقٌ عَلَيكَ يَجِبُ أَنْ تُؤَدَّي وَتُحتَرَمَ . وَخَاصَةً الأجَاوِرَ مِنْهُ .فَقَد أَوْصَانَا النَّبِيُّ ” صَلَي اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمْ ” بِالجِيرَانِ خَيرًا .
وَدَعَكَ مِنْ نَعَرَاتٍ كَاذِبَةٍ وَأشْعَرَةٍ زَائِفَةٍ ؛ فَمَا رَفَعَتْ أُمَّةً وَلا كَشَفَتْ غُمَّةً . بَلْ جَعَلَتْ مِنْ وَرَاءِ جُدرَانِ بَعضِهِمْ قُلُوبًا تَئِنُ وَتَبْكِي دَمًا ، وَلا أَحَدٌ يَسْتَجِيبُ لَهُمُ وَلا يَسْمَعُ أَنِينَهُمْ ، وَنَحِيبَهُمْ ،وَ يَألَمُونَ ، وَوَدَّ بَعضُهُمْ لَو كَانَ خَطَّارِيًا وَلَو لِلَحظَةٍ وَاحِدَةٍ ، حَتَّي يَقْضِي اللهُ أمْرًا كَانَ مَفْعُولا .
حَفِظَ اللهُ الخَطَّارَةَ وَمَنْ جَاوَرَهَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ كُلِّ سُوءٍ .
التعليقات مغلقة.