موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

دِيمَة

243

دِيمَة


بقلم / نوال احمد رمضان

بندولُ الساعةِ الْعتيقةِ يَدقُ رأسَه بِعُنفٍ، يُذكرُه بِمَا آل إليه مِن جُمودٍ وتقوقعِ وتوحدِ، صلاتُه صارتْ بُكاءً لا ينقطعُ ودُعاءً لَا ينتهي، طعامُه بضع لُقيماتٌ يُقِمْن صُلْبَهُ، شَرَابه مُرٌ كالعلقم.ِ
الرجُلُُ الْقوِيُّ سَدِيدُ الرَّأْيِ فَقَد هَيبَته، دَائمًا مُطأْطأ الرَّأْسِ، مُكبلًا بالْحياءِ مِن النظرِ فِي عيونِ الآخَرِينَ حَتى مَنْ لا يعْرفُ مصابَه خَوْفًا مِن أَنَّ ينفضح أمَرُه، عينَاه دَائمًا عَلَى تلْك الساعةِ الرتيبةِ، يَتَمَنَّى أَنْ يَعُودَ لِزَمن كَانَ كُلٌّ شَيٍ فِيه رائعًا وَأَتى غيرُه بطعناتِ قَلْب وندباتِ رُوح.
ترتكز الساعَةُ بَيْن صُورتين لنور عَينيه، اليُمنى يوم إلتحاقِها بِالمدرسةِ الإبتدائيةِ جميلة بريئة متوهجة الذَّكَاء، وَاليُسرى يَوْم حَفْل تَخْرِجُهَا مِنْ الْجَامِعَة وَقَد صَارَتْ شَابَة رَائِعَةَ الْحُسَنِ، خَلوقة يُزينها تَاجُ الْحَيَاءِ، حُلوةٌ اللسَان، راقية، وَدُودَة، مُتفوقة، مُتعدِّدَة الْمَواهبِ، بِمِائَة رَجُلٍ أَوْ كَانَ يَتصَورُ ذَلِك!.َ
كَمْ صَلَّى للَّه حَمْدًا وَشُكرًا فَقَد تَزوج وَهُوَ فِي الْأَربَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ زَوجة طَيبَة مَلَأَت حَياتَه بُشرًا وَبَهْجَةً، فَاض قَلَبُهُمَا بِالسَّعَادَة حِين بُشرا بولِي الْعَهْد، ضَحِكْت وَهَى تُعلنه بحُلمِها: “يارب بِنْت تَقَرُّ بِهَا عيوننا.
فعارضها مَازِحًا: “يارب وَلَد سَنَدٌ لَنَا فِى كبِرْنَا”.
دافعت بقُوةِ: “البناتُ فَرَحةٌ وَشَجَرِةُ طارحةُ، نكبّر تراعينا فِي حَياتِنَا احلي صُحبَةٌ وبعد وفاتِنا وَفَاءُ وَدُعَاءٌ لَا يَنقطعُ”.
اِبْتَسَم وَهُو يُردد: “الحمد لِلَّه، كُلِّ عَطَاءٍ رَبَّنَا جَمِيل”. وأتى اليومُ الموعُودُ وأَضَاءَت ‘دِيمَة’ حَياتَهمَا بِجَمالِها الْأخَاذ وضحكاتها الرنانة وشقاوتها المُحببة، سَنوَات خَمسٌ مِن الهناءة وراحةِ البالِ مَرَّت سريعاً وفجأة إنْفرَط عُقد العَائِلَة؛ رَحلْت الْأُمُ بَعْدَ مَرَضٍ عِضالٍ وَقَرَّر الْأَبِ الا يُعَكِّر صَفْو أَيَّام ديمته بِزَوْجَة أَب فَصَار لها الْأَبُ وَالْأُمُ وَالْأَخُ وَالْأُخْتُ وغدت هِى شَمْسه الْمَشْرَقَة وقمره الْمُنِير وسراجه الْوَهَّاج، وهبهَا وَقتَهُ وَجُهدَهُ وَمَالَهُ ومشاعرَهُ وأهدته هِى الْحُبَ وَالْحَنانَ وَالرعايةَ، كانَت لَهُ الْأُمُ وَشَرِيكةُ الْحياةِ وَرَفِيقةُ الدَّرْب.

فَعَل الْمُسْتَحِيلَ لإسعادِها، أَلْحقها بمدارس أَجْنَبِية ارتدَّت أَفْخَم الثِّيابِ، أَهْداها كُل مَا تَشْتَهِيهِ وَأَكْثَر
وَلَمْ يَغفلْ أَبَدًا أنْ يُعلِّمَها أُصُول دِينِها، فَارتدت حِجابَها ، وحافظت عَلَى صَلَاتِهَا، دللها كَثِيرًا ولَمْ يُقَسِّو عَلَيْهَا إلَّا نادرًا، تخرجت ‘دِيمَة’ مِن الْجَامِعَة بِإمْتِياز مَع مَرْتبَة الشَّرَف واحتلت المَرْكز الْأَولِ بِلَا مُنازعٍ، تَسَلمت عَمَلًا فِي شَرِكَةِ إسثمارية كُبْرَى؛ وأحتل التَّغيير الْمَرْكَز الْأَوَّلُ فِي حياتِهَا، تَعُودُ لِلْمَنْزَلِ مُتَأَخرَةٌ، تَصَادَقُ مَنْ يخطفونها مِنْ ذَاتِها ووالدِها وحيائِها ودِينِها فاشتعلت الْخِلَافَاتُ بَينهُمَا؛ مَاعَادَ الْأَبُ الْمِسْكِينُ قَادرًا عَلَى صَدِّ جُمُوحِها ونشوزِها، يَبكى فِي صلَاتِهِ رَاجِيًا اللّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يحميها مِنْ شَرِّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَشَرّ نَفْسِها الْأَمَّارَةِ بِالسُّوء، وَدَائِما تُؤَرقُه ذِكرَى ذَلكَ المَساءِ الحَزِين؛ أُغْلِقَت هاتفها حَتَّى مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، كَادَ أَنْ يُجَنَّ قَلِقًا عَلَيْهَا وَحِين عَادَت صَدْمَه مَا رَأَى فَوَقَع مُغْشِيًا عَليهِ لَقَد خَلَعْت حِجَابَها وحياءَها، لقَد تَحرَّرت القِطةُ الصغِيرَةَ مِنْ كُلِّ جَمِيل.ِ
صرخ رَافِضًا فَنَظَرْت إلَيْهِ شَزْرًا ورَدت بجموحٍ وَجُحُودٍ: “لقد بلغتُ سِنَّ الرُّشْدِ ويمكنني أَنْ أَعِيشَ وَحدِي وَأَفْعَل مَا يَروقُ لِي”.
دَارت الدُّنيَا بِالْأَبِ المكلومِ، غَلَبه الْقَهْرُ وَالْمَرضُ والشيخوخةُ، نَقلْته إلَى الْمُستشْفَى – جُلْطَة بالمخ، شَلَل فِي الرُّوحِ وَالْجَسدِ – فَاق خِذلانُها لَهُ الْحَدُّ؛ تَرِكَتِه لِلْأَقَارِب يشفقون عَليْه ويهتمون بِه، وبعد أَنْ تَماثَل لِلشِّفَاء عَادَ إلَى الْبَيتِ غَيْرِ رَاغِبًا، يُمْضي يَوْمَه يَبْكي وينبش فِي صندوقِها الْأَسْوَد فَهِي فقط لَم تَخْلَع حِجَابَهَا بَل تَرَكْت صَلَاتِهَا ونعتت الدَّينِ بِمَا لَا يَلِيقُ، وابتعدت عَن أصدقائها الصَّالِحِين.
تَوَافَد أَهْلِ الْخَيْرِ ليطمئنوا عَلَيْه ويربتون عَلَى قَلْبِهِ وَالْبَعْض أَتَى ليشمت وَآخَرُون ليخبرونه أَسْرَارِهَا: ” أَطْمَئِن هِي أَصْلِهَا كُوَيِّس وهترجع وَاَللَّه ، نَعْلَمُ أَنهَا لَمْ تَتغَيّرْ لِأَنّ لَدَيْهَا مُشْكِلَةٌ شَخْصِيَّةٌ وَلَكِنْ لِأَنَّ مَشَاكِل الْمُجْتَمَع أحَاطَت بِهَا وَكسرت قَلْبَهَا ونَشبت أَظَافِرَها فِي عُنقِهَا فَقَتلَت بَرَاءَتَهَا”.
“لقد حَاوَلَت إقناعى بِالتغييرِ وَلَم تقتنع أَن أَفْكَارَها خَاطِئَة وَأَنَّ عَليها التروي قَبل الندَمِ “-:
-: ” أُعزيك واللَّه لَكِنْك لاَبُد أَنْ تَتأكد يَا عَمًى أَننَا جَمِيعًا نَحمِل بداخلِنا ضَعْفًا إنسانيًا، بَعضُنا يَتحملُ الْإِسَاءَةَ والتطاولَ وَالْإِحْبَاطَ والتنمرَ والتحرشَ وَبَعْضُنا لَيْس لَدَيْهِم الصلَابَةُ النفْسِيَّةُ والإيمانيةُ ليتحملوا ذَلِك”
-: “أنها تَذْهَبُ إلَي …… وَتَفْعَل كَذَا … . وَتُقَابَل فُلَانً وَفُلَانَة، لَقَد تَعَرَّفْت ‘دِيمَة’ عَلَى مَنْ استهلكَها نَفْسِيا فَصارتْ لَا تَرَى فَائِدَةٌ لأي شَيء”.
.”كيف تَكُونَ تِلْكَ ابْنَتَك أَنْت يَارَجُل يَا طيب؟! “-:
رَدّ بِأسى:” لَقَد ابْتَلَى اللَّهُ نَبِيَّهُ نُوح بِإبن عَاصٍ وأين أنا مِنَه؟!”.” -:
توجع كَثيرًا، تَأَلَّم وَبَكَى وَهُو يُعَزِّي نَفْسَه: ” ابْنَتِي مَا عَادَت ابْنَتِي لَكِن ظَني بِرَبِّي أَنَّ كُلَّ كَسْرٍ لَيْس نِهَايَة فَجُبِر اللَّه لكسورِنا آت”.ٌ
لَجَأَ إلَي رِجَالٍ الدِّينِ وَالْأَصْدِقاءِ . . . لَكِنْ دُونَ جَدْوَى، كَم يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ وَهَى غارقةٌ فِي إلحادها تَحْيَا فِي حِمَا الطَّاغُوتِ وَلَم تُفَارِق جُحودَها.
وَمُنْذ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا تُفَارِقُ عَيْنَاه بَنْدُول السَّاعَة، يُصلى ويَبكي وَيَدْعُو اللهَ وَيَنْتَظِرُ يَوْمًا فَارقًا فِي حَياتِه وَحَياتِها، يَوْمًا تَعُودُ فِيهِ إلَي رَبِها وَإِلَيْه، يَنْتَظِر مُعْجِزَةً تُعِيدُهَا لإيمانِها وَيَقِينِهَا بَعْد التَّشَتُّت.

التعليقات مغلقة.