ذات..علي جبل
ألاطمُ أمواجَ الحياةِ واحدةَ تلو أخرى، لا أنفكُ مِن موجةٍ إلا وتليها الأخرى بلطمةِ أقوى وأشد، العالمُ مِن حولي يموجُ بالصخبِ والضجيجِ.
أخذتُ أبحثً عن الهدوءِ والراحةِ والتأملِ، تمنيتُ لو أجدُ طريقةً ما للهروبِ مِن هذا الصخَبِ.
سجلتُ قائمةً بالأشياءِ الضروريةِ، حزمتً حقائبي، واستأذنتُ أهلي في رحلةٍ لبعضِ الوقتِ.
قررتُ الصعودَ إلى أعلى الجبلِ الذي يُطلُّ على المدينةِ حيث الهدوء والوحدة، والسكينة.
ذهبتً إلى حالةٍ مِن التأملِ، وبينما أنظرُ بين الأفقِ والسماءِ، شعرتُ بنسمةٍ هادئةٍ تعانقُ وجهي؛ فاسترخيتُ قليلاً، وانغمستُ في عالمٍ آخرٍ، أُلامسُ صفحةَ السماء، أتحاورُ مع النجومِ، أحتضنُ الظلامَ، أتهامسُ مع الصمتِ، أغوصُ في أعماقِ ذاتي، حدثتني أفكاري ومشاعري عن الماضي والحاضرِ والقادمِ، وإذ بطيفٍ شفيفٍ مِن النورِ على هيئةِ رجلٍ يموجُ مِن حولي، يراقبًني، يرصدُ مشاعري وكأنه يستشعرُها بمقياسٍ نوراني، حدقتُ إليه جيدًا، عيناه تتلألأ بالحكمةِ، وابتسامته تنبضُ بالأملِ، وحركته تُوحي بالحياة.
أخذَ يقتربُ منى بخطى هادئةٍ؛ فانشرح قلبي، وانتشى جسدي.
-رحبتُ به
-بادلني التحية
- إننا متشابهان
- أومأ بالموافقةِ
-أتبحثُ عما أبحثُ عنه
-أنا رفيقكَ في الرحلةِ، عليك بالإنصاتِ لصوتِ الصمتِ، ومزيدِ من الصبرِ؛ فالرحلة طويلةٌ، والهدفُ عظيمٌ. طالَ الحديثُ بيننا حتى تمنيت لو طالَ البقاءُ؛ لكنه اختفى.
تألمتُ لفراقِه، مرتْ عدةُ أيام، تقلبتُ فيها ما بين التجولِ على سطحِ الجبلِ، والسماعِ لصوتِ الطبيعةِ، أستيقظُ على روعةِ الشروقِ، وأتأملُ جمالَ الغروبِ، عشتُ تجاربَ مثيرةَ، ومع ذلك كان هناك دائمَا هذا الشوقُ الصامتُ إلى الطيفِ الذي التقيتُ به على قمةِ الجبلِ للحظات قليلة؛ لكني شعرتُ فيها بالتواصلِ الحقيقي مع نفسي.
وفي كل مكانٍ أذهب إليه أبحثُ عن أثرِ هذا الطيفِ الذي ضاع مني، وكأنني أبحثً عني.
وفي ذاتِ ليلةٍ دافئةٍ، استيقظتُ فجرًا على شيءٍ ما يلامسُ روحي، ملامحه مشرقةٌ، وجهه وضاءٌ، يبتسمُ بلطفٍ، سألته بترقبٍ وتعجبٍ ولهفةِ مَن أنت؟! فأشار إلي.
التعليقات مغلقة.