ذاكرة ميت..بقلم .. محمد بلال حجازي
مضى بقربي
كان يتلثم بالسواد
عينان تبرقان كجان هارب من حفل شياطين
استعذت بالله
وعادت بي الذاكرة حيث كنت ألهو في حارتنا صحبة بلال آخر
كان الحال ضيقا وكلانا يعاني غنى أخرين يشترون دراجات جميلة المنظر، يزينونها، يلونونها، ويعتنون بها.
لكن: لم يكن يهمنا ذلك كثيرا، ما يهمنا كرة قدم نلهو بها دون امتنان لأحد.
لكن لا سبيل لها فكلانا مفلسان، يأتي المساء وبعد انتهاء حلقة الكابتن ماجد التي كنا نشاهدها في منزل جارتنا صاحبة التلفاز الوحيد في الحي، يرتفع ادرينالين الحماس ونطلق على بعضنا ألقابا فهو ماجد وأنا ياسين لكن لا كرة قدم لدينا.
أتذكر مرة أن مجموعة من الخِرق البالية ولاصق بليرتين ونصف، صنعنا كرة تشبه كل شيء إلا الكرة، لكن لا عليك صديقي ماجد سنكون ثنائيا رهيبا، ومضت ساعات نلهو بصخب وفرح، حتى جاء أحد أبناء الجيران من حارة مجاورة، كان ثريا لديه دراجةٌ وحذاءٌ صينيٌّ أبيض اشتراه له والده بمائة وخمس وعشرين ليرة، ويرتدي قميص فريق لا أعرف ما اسمه حينها.
ينزل عن دراجته، يخرج الكرة من كيس أسودٍ، وينططها على الأرض متهكما ساخرا، بماذا تلعبون؟!
توقف صخب فرحنا، مضينا نحدث بعضنا أي ظلم هذا، لا يجيد القراءة والكتابة، أحمق بأنف أفطس، سحنة شيطان متكبر، لكنه يمتلك كرة ودراجة وحذاء أنيقا، في حين كانت كواحلنا تنزف دما حتى تعتاد على حذاء بلاستيكي كأنه عقوبة إلهية لأطفال صغار.
وهناك دار حديث لا زلت أذكره بين البلالين:
بلال الأكبر: لا تحزن، غدا نعمل بقلع الثوم، ونشترك على كرة لنا وحدنا.
بلال الصغير: لست حزينا، صحيح أنه يرتدي أفضل الثياب، ويمتلك كرة ودراجة، لكننا أفضل منه أثناء اللعب، ما إن نمتلك الكرة حتى تغدو أحلامه وردية أن يطالها بين قدمينا، وكثيرا ما هزمناه.
بلال الكبير: حسنا؛ سنلقنه درسا عند أول تحد بين الحارتين.
ضحكنا ومضينا وكبرنا ولا زالت تلك الكرة حلما والدراجة لم نتعلم قيادتها إلا على دراجة صديق لوالدي يجلبها صباحا قبل ذهابهما إلى العمل، فنسرقها ونلهو بها حتى اقتراب موعد عودتهما، كثيرا ما تفاجأ بطعج ها هنا، والأغلب أنها ( مبنشرة ) .. عجلاتها خالية من الهواء ..
كانت أكبر ذنوبنا حينها، مع ذنب لا ندري إن كان حقا ذنبا أم لا؟!
فمسبح جارنا الإسمنتي كان ملهىً آخر تعلمنا به السباحة، وحينها أيضا كان يقبض علينا ليأخذ ثيابنا ومن يمسك به ينال صفعات على وجهه وفركة أذن تكاد تقتلعها، لنرجوه أن يعيد ثيابنا على ألا نكرر ذلك ثانية..
كبرنا ورحل صاحبي وبقيت وحيدا لأدرك الآن أن ذاك الملثم الهارب من حفل الشياطين ما هو إلا عمر هارب من بين أيدينا، سَرقنا فيه بعضا من حياة أزهرت بها قلوبنا بالضحكة بين حين وآخر..
لأجثو على ركبتي داعيا الله أن يكون القادم خيراً مما مضى، فنجتمع بأحبتنا الباقين على عهد حبنا دون قيد أو شرط.
التعليقات مغلقة.