ذكريات
بقلم فادية حسون
تلك البرودة الآتية من صلب الشتاء .. تحط رحالها فوق الأشياء … فتجعلني أسافر روحا إلى قريتي التي هجرتها بالأمس .. فأجلس وأحتسي قهوة الصباح خلف زجاج نافذتي المطلة على عالم رحب أخاذ .. وبين الرشفة والأخرى أسترق النظر إلى الطريق الإسفلتي وهو يعج بالغادين إلى الحقول لقطف مواسم الزيتون … وارى بعض الشبان يحملون حزمة عيدان (الدبق ) لصيد العصافير لتكون وجبة طعام مميزة في المساء .. بعد ساعة من بزوغ الشمس تكاد تخلو القرية من ساكنيها حيث يغزون الحقول مسرعين لجني مواسمهم قبل هطول المطر … أذكر اننا كنا نتعرض كثيرا للمطر ..فنلوذ تحت شجرة كبيرة ريثما يتوقف الهطل ثم نعاود عملنا من جديد مبتهجين بروعة الابتلال وعبق التراب الضاحك في وجه ضيف السماء …وفي وقت القيلولة نفرش طعامنا المكون من الخبز والزيت وبعض البصل وأقراص الطماطم … كنا نشعر أن هذا الطعام من ألذ وأشهى ما نأكل .. كنا نشعل بعض العيدان لنلتمس الدفء لأصابعنا المتجمدة ريثما يغلي إبريق الشاي … وبعد الأكل نبحث عن بعض ثمار الرمان التي لاتزال ماثلة فوق الغصن فاغرة فاها ليقطر منه شراب لذيذ .. ونبحث أيضا عن بعض عناقيد العنب التي سبقتنا إليها نحلات اعتادت أن تقتات على بقايا الثمار المتروكة فوق الأغصان …
في هذا الصباح البارد لا أعرف لماذا طحنتني تلك الذكريات برحى الحنين .. فتناثرت وتبعثرت في كل أرجاء وطني الحبيب …وتمنيت أن أحتسي فنجاني الصباحي هناك … وأشاهد من رحلوا … وأمسح بيدي كل برهة ذاك البخار المزفور فوق زجاج نافذتي المثلجة …. لكن سرعان ما تصفعني حقيقة علقمية المذاق … أن زجاج نافذتي قد تحطم .. وأن ثمار الزيتون تنتحب فوق أغصانها …
فادية حسون.
التعليقات مغلقة.