رؤية تذوقية في نص “لن أخبر أمي” للأديبة عبير ﻋﺒﻴﺮ عزاوي بقلم الأستاذ محمد كمال سالم
رؤية الأستاذ محمد كمال سالم
العنوان عتبة النص، هو مدخل القارئ وتحريك حدثه، إما بالسلب أو الإيجاب، بمعنى:
إما أن يلتهم هذا النص التهاما، أو يتركه هاملا بعد عدة سطور.
-لن أخبر أمي- استهلالة تشي بسر! بحادثة! بشجن! عنوان جاذب يستدرجك لأغوار النص لتغرق في أعمق مشاعر المرء اختلاجا، ألا وهي لحظات الضياع (التوهان) ما من أحد منا إلا وعاشها ولو للحظات وذاق مُر هذا الشعور، وكيف يهبط قلبك في قدميك المرتبكتين وفؤادك المضطرب، هذا ما نقلته كاتبتنا وأوصلته لقارئها بمنتهى المهارة دون مبالغة أو تقعير، دون أن يصرخ الطفل الضائع أو يبكي، أو يتقلب بين يدي المارة.
كيف جسدت من خلال كنزه المتمثل في الورقة النقدية التي عثر عليها، تراكم إحلامه البسيطة، وآماله في تعويض ما اكتنفه من شعور بحرمان، أحالته يد العجز إلي انه صار رجلا كبيرا، “كذب مشروع” ما باليد حيلة.
صراع وعذابات بين سطور السرد، لم تغرق الثيمة في نحيب وبكاء وعوز، كله وصل إلينا من بين ثنايا السرد الهادئ الذي حاكته علي مهل بمهارة.
ملحوظة واحدة آخذها على القاصة، ألا وهي التصاعد الدرامي للنهاية، كنت أتمنى أن تعثر عليه وهو على وشك الضياع للأبد، تجسيد شعور الطفل أنه بالفعل فقد أمه، ثم تحدث الدهشة التي تسعد القارئ، لكن هناك جائزة للأم كادت أن تستدرج دموعي، لما وضع كِنزه في صدر أمه، تضحية من أجل أنها وجدته.
عشنا معكِ محتبسي الأنفاس، كدنا أن نضيع في خضم زحام البحث عن كسوة العيد المضنية، لولا لطف الله وتوفيقك في حياكة السرد.
لن أخبر أمي للأديبة عبير عزاوي
خطواته تتعثر في السوق المزدحم بالناس ؛ الليلة ليلة العيد وأمه تقوده لتشتري له ملابس العيد من البسطات التي ينادي أصحابها للبيع بنصف الثمن ، لكنها أفلتت يده و اختفت فجأة ،وبقيت يده فارغة الا من بقية رائحتها .
قال في نفسه : / ربما عادت لتجلب لي القميص الأزرق الذي أعجبني وأصررت على شرائه لكنها صمتت ثم نقلت نظرها بيني وبين ماتبقى من نقود في يدها وابتلعت ريقها ثم جرتتي خارج المحل .
- ” أنا صرت رجلا ً ” قال للدمعة المعلقة على هدبه .لقد بلغت سن السابعة منذ يومين صحيح أنني لم أتلق هدية في عيد ميلادي ولم تحضر أمي الى المدرسة وتوزع على رفاقي كعكاً مزيناً بالشكولاته كما فعلت أمُّ صديقي رائد في عيد ميلاده ولكنني صرت رجلاً كما قالت أمي. وهتف بصوت مسموع :
/لقد صرت رجلاً / مخاطباً الغصة التي تسدُّ حلقه .
أخذ يتسلى بركل الأحجار التي تقف أمام بوز حذائه ، فيشعر بوخزها على طرف إبهام قدمه هذا شعوره المفضل ، ركل حجراً فلم تخزه إصبعه . انحنى والتقط الحجر فإذ به ورقة نقدية من فئة الألفي ليرة بنفسجية اللون مكورة على نفسها ، فتحها وتأملها طويلاً ،استدار وجلس أمام محل الألعاب ، تأمل الأسعار التي بدأ يتعلم قراءتها وأتقنها سريعاً كما أتقن عمليات الجمع والطرح فهو الأمهر في الرياضيات بشهادة معلمته ومديرة مدرسته ،راح يفكر بتلك الكرة الجلدية التي طالما حلم أن يمتلكها وأمه تؤجل شراءها له شهرا بعد شهر ، سيتمكن من شرائها الآن أسرّ لنفسه : لن أخبر أمي !
ثم فكر أنه في العيد الماضي حلم أن يذهب الى السينما مع رفاقه ليشاهدوا فيلم السيارات التي تتحول الى رجال آليين ولم يكن يملك ثمن التذكرة فاكتفى بما حدثه به رفاقه ؛ سيتمكن غداً من الذهاب ، ذكّر نفسه أن الأهم ألا يخبر أمه بما وجد من كنز .
وفكر أن يحتفظ بالمال ويلعب في نادي ألعاب الكمبيوتر فترات طويلة ، وكرر على نفسه : - “المهم ألا أخبر أمي “
مرت ساعة طويلة والسوق تزدحم اكثر وأكثر ..وهو يلتف بوحدته ؛ والأضواء المتراقصة من المحلات تتعب بصره . لعله النعاس .أبعد الفكرة عن رأسه فتح عينيه لأقصى حد استند الى واجهة محل الألعاب الزجاجية أسبل عينيه وأخذ يغوص في عالم الألعاب الملون وعندما همّ بالتقاط الكرة الجلدية ؛ التقفته أمه وهي تهتف : — يا روحي ! أين غبت عني ، بحثت عنك طويلاً ، ضمته إلى صدرها الدبق بعرق غزير فأقحم رأسه عميقاً في فتحة ثوبها ثم وضع في يدها كنزه المخبوء .
التعليقات مغلقة.