رؤية نقدية حول قصيدة حياة موتى لأحمد شعبان بقلم زين أحمد الأسيوطي
هل في لغات الكون لغة مثل اللغة التي يسمو بأحرفها كلام الله عز وجل ؟
إن إستطعت أن تجيب على هذا السؤال فلا حاجة لي بالحديث عن لغة القرآن فكلنا يعرف قدرها.
ولكن دعني ياسيدي الفاضل أن أتحدث عن
نص شعري فصيح وأحاول قدر جُهدي وتفكيري وخيالي الفطري
أن أسبح فوق شاطئ بحر إبداعه عَلِّي أنال نفحة تُمتع الروح المكبوتة جبراً لا اختياراَ.
وها هُنا معي مُوفد من بحرِ الإبداع جاءنا بنصٍ عميق ،
إنه الشاعر /أحمد شعبان
الذي ألَّف العديد من النصوص القيمة.
وله ديوان تحت عنوان( حقيقة من الخيال ).
ولقداستدعاني نصاً له بعنوان ( حياة موتى )
وهذا النص علي بحر الكامل
ومن النصوص العمودية الموزونة والمقفاه.
فهو علي وزن متفاعلن. متفاعلن. متفاعلن
وهذا النص الذي نحن بصدده
ينتمي إلي الشعر الحديث والذي يعتمد على عنصري الخيال والافكار.
فهو يتطلب الوقت الكافي للتأمل والتفكير المكثف والبحث عن الجمل والصور الفنية التي تعبر عن ملكية الأفكار واقتناصها ويحتاج الوزن والقافية.
وهذا لايوجد في الشعر الحر الذي لا يعتمد علي الوزن ولكن يعتمد علي الوصف، فهو يميل إلي الواقعية ويعبر عن الماضي وإنجازاته التاريخية،ووصف المجتمع.
والخلاصة.
فالنستمتع بقراءة النص.
(حياة موتى)
أمسٌ يُعيرُ اليومَ صمتَ العابرين
لساكن ألِفَ الجوى فوق التلالْ
خوفٌ على طرقاتِ يأس الصامدين
يهدُّ أبياتاً بدت فوق الظلالْ
كرم الجحودِ يَلفُّ سلسلةً على
صدرٍ تحدَّى سطوةَ الأملِ المحالْ
ولهيب نهدٍ عانقَ الصوت القتيل
حرارةً مُزجت ببرد الإحتلالْ
وإلى متى ظلَّ الطريقُ يخونُ
أصحاب المسار ويرسم الأثر المزالْ
هو ذنب أذيال الرياح إذا مضت
دون التنبِّه لحظةً نحو احتمالْ
لا تمنعوا الموت العفيف إذا جرى
بلعاب طفلٍ علَّه يجد المآلْ
ويرى نهايةَ ظلمةٍ عبرت به
تُنبي بأن النور قيد الانتقالْ
أو أن نور الروح يدرك نصه
ويُقيم حول مخاض موتاه الجدالْ
صوت ينادي اتركوا اللابأس حرًّا
علَّه يوماً لنا شدَّ الرحالْ
ويردُّ صوتٌ لا نريد سوى التحدث
نحو صخرٍ أخرج الجاري الزلالْ
قد يخرج الآيات تعجيزاً لهم
لكن بعض الرأي جانبه الضلال
وأنا أحاول جاهداً حلَّ الظروفِ
يطوفُ في رأسي ترانيم النضالْ
وسؤال حالي من تَحلُّلِهم مضى
عبثاً إلى اللاشيء لم يجد اكتمالْ
إن ضعت في اللاوقت عمداً قل لهم
عزفتْ ضلوعي شوقها نحو اعتزالْ
كن صورةَ المرآةِ لا تصويرها
لترى حرامَ الذلِّ بعضاً من حلالْ
وفي رحاب النص لي قراءة متواضعة وأبدأ الأول بالتساؤل فيما يحويه النص من جذب الإنتباه .
فأقول…….
هل للموتى حياة؟
ولكن لو حدث هذا هل يعيشون بلا روح؟ وكيف؟
تأويلات كثيرة للنص
ولقد استدعاني النص إلى أن استحضر صورة الشعوب المطحونه والمحتلة سياسيا وفكريا .
وخطر ببالي أن هذا النص سيتكلم عن شئ مسكوت عنه جبراً وجبروتاً.
والأن دعوني أتفقد بعض الأفكار والتاويلات والتي قد نتفق أو نختلف عليها .
فالنص مفتوح التأويلات
وكُلّاً يغني علي ليلاه.
فيقول شعبان،:
أمس يُعيُر اليوم صمت العابرين
ما أجمل التجسيد والتحويل بسهولة وانسيابية من الشئ المعنوي الغير محسوس إلى شئ حسي ملموس.
فكيف للأمس المعنوي أن يقرض( يُسَلّف) اليوم المعنوي أيضا صمت وسكوت الأجيال المتتالية.
صوره غاية ف الروعة.
حيث أشار إلى المتخاذلين والساكتين جبراً أو رضاً
فالصمت يَرثهُ اليوم من الأمس
كلنا مقصرون وصامتون وعابرون.
لساكن ألف الجوي فوق التلال
الساكن هو المغتصب المحتل الذي يعتلي زمام الأمور ويتحكم في مُقدراتها فهو يعتلي القمم في كل شئ حتي الجبال واشم في كلمة تلال رائحة تل أبيب.
وكأنه يريد أن يقول إن سكوت ما قبلنا ورثناه نحن وهو السكوت للعدو.
الذي يعتلي أرضنا.
وقد يكون الساكن هو الصامت او الساكن الغير متحرك الذي قبل الذل والهوان.
وانا أرجح التأويل الاخير.
خوفٌ علي طرقات ياس الصامدين
(طرقات ياس )
وما اجمل الكاتب حين تخرج كلماته وصوره مكثفة
ويعطي صورة حية لصورة خياليةغير ملموسة وكيف حول اليأس الي صاحب طريق بل ويملكها
إن الخصم يخاف علي طريق الياس والإحباط التي صنعها لتسير عليها الأمة المتخازلة لتكميم الأفواه وبهذا يعتبر العدو هو الراعي الرسمي الضلال.
وهدفه أن يظل اليأس قائم وطريقه مفتوحه.
ثم يقول شعبان مصورا الوضع وكأنك تشاهد حلقة من مسلسل درامي محزن ومخزي
يهدُ أبياتا بدت فوق الظلال
فأصبح اليأس والعدو يهدان
بيوت أصحاب الأرض الظاهرة كظهور النجم فوق السحاب
ولكن استحضار الصورة بأن البيوت ُتبني فوق السحاب دليل علي الرفعة والمكانة العالية لأصحاب الحق.
وكلمة (بدت).
تدل علي الظهور عن بُعد فهو لم يَقُلْ ظهرت فالظهور قد يكون واضح الرؤية.
ونلاحظ الي الان العاطفة جاءت صادقة فياضة.
وكذا الصور والأخيلة،
ووحدة الجو النفسي والوحدة العضوية الي الان ولأخر النص تدور حول موضوع واحد.
وتكملة لما قد بدأناه وفي رحاب النص، نجد شعبان يقول:
كرم الجحود يلف
سلسلةعلي صدر
تحدي سطوة الأمل المحال
الكرم دائما مقرون بالخير والعطاء.
لكن هنا الكرم مقرون بنكران الحق الواضح، فهو مقرون بالشر
وذكاء الشاعر يظهر في استخدام مفردة كرم كثيفة مبالغة تدل علي كثرة الكرم ولم يقل كريم وهذه الصورة تكفيني انا كقارئ أن تتفحص واتمحص وتدقق كيف صاغها ووظفها هذا التوظيف المغاير دون أن يختل المعني.
(يلف سلسلة علي صدر )
وكأني اري الظلم الفاحش يقيد الحق البين بسلاسل من نكران وتبديد للقوة وقتل للأمل الضعيف .
صدر تحدى سطوة الامل
المحال:
فالمعني العام هو أن النكران للحق البيِّن يقتل حتي الامل الضعيف والذي يصعب تحقيقه.
ولكن لي ملحوظة …
كيف يكون هناك أمل محال
فالأمل والمستحيل لا يجتمعان معاً
فلو وجد الامل ولوحتي كان ضعيفا اختفي المستحيل والعكس صحيح.
ولهيب نهدٍ عانق الصوت القتيل
لهيب الأرض والرصاص والمدافع وحرارة الإحتلال في الصدور وقتل حتي الصامدين المقاومين الرافضين
للظلم والاحتلال
والمدافعين عن الكرامة.
بدأ يأخذ أصواتهم المبحوحه وانفاسهم المقطوع بالرصاص أي أن العدو لم يرحمهم أحياءً أو أمواتاً.والارض تحتضنهم أموات وتطلب منهم التحرير أحياءً.
حرارة مُذِجَتْ ببرد الاحتلال
حرارة الروح المرتفعة وعزيمة الابطال وشعورهم بالظلم جعل صدورهم نارا موقدة
واختلطت تلك النار ببرودة دم الاحتلال الغاشم والذي لا يبالي من التخريب والقتل.
وإلى متي ظل الطريق يخون أصحاب المسار
من هنا نجد النص مترابط فالربط بين البيت الاول
وهذا البيت يؤكد تماسك النص وتمكن الكاتب من حرفه
ويتساءل الشاعر مستنكرا في أسلوب انشائي بديع
الي متي يظل الطريق يخون أصحاب المسار
فالمسار هنا معناها الحق والامل والحياة وليس طريق السير.
والطريق قد يكون الأمل وقد يكون الخونة وأصحاب المصالح
لكن لي ملحوظه هنا أيضاً:
لماذا قال الشاعر ظل وكأنه يسأل عن مدة قد انتهت واستخدم بعدها المضارع الاستمرارية أليس من باب أولي أن يقول سيظل الطريق.
ولا أحب أن أسمع كلمة ضرورة شعرية تغير المعني
هو ذنب أذيال الرياح إذا مضت دون التنبه لحظة نحو احتمال
ويجيب الشاعر نفسه عن اسئلته
وكأنه وجد إجابة شافية لخلجات روحه الوطنية
قائلا :
هو ذنب اذيال الرياح إذا مضت دون التنبه لحظة نحو إحتمال
الذيل: هو مؤخرة كل شئ وزيل الرياح هو ماتتركه تلك الرياح من أثر أثناء هبوبهاوخاصة علي الرمال
وأرى أيضا إسقاط
حيث أن أذيال الرياح قد يقصد بها من يتهاون في حق بلاده وتصويرها باذيال الرياح لا بالرياح نفسها لأنهم أضعف من العدو نفسه ولأن الذيل يكون للحيوانات غالبا وكأن الشاعر يريد أن يقول لهم المحتل انتم أشبه بما تخلفه الرياح علي الارض من علامات في يوم عاصف.
إذا مضت دون التنبه لحظة نحو إحتمال
فاذيال الرياح والخونه وبائعي الاوطان لم ينتبهوا ولو للحظة أنهم في منتهى الهوان والخذلان
حين يسكتوا ويتعاونوا مع العدو ضد الوطن.والرياح في الأصل هي الأجيال القادمة التي تحمل الامل.
فالتوظيف هنا ممتاز ومتعدد التاويلات .
لاتمنعوا الموت العفيف إذا جرى بلعاب طفل عله يجد المآل
يصرخ الشاعر في المجتمع وكأن الجميع يسمعه وهم مابين كر وفر مابين
شريف ووطني
وما بين خائن ومتخاذل.
قائلا:
لا تزرعوا في أبناءكم الخوف من الموت لو كان جزاؤه حرية الاوطان.
اتركوه يضحي ويمنح الامل ولوكان الامل ضعيف
فاليتشبس به،ولا تخشوا الموت
فللحرية والجهاد إحدي الحسنيين إما النصر أو الشهادة
وبلاغة الشاعر في الصورة وصياغتها باحترافيه ورسم صورة داخل صورة ولكن ببرواز واحد دون الشعور بملل أو تَغَيُر في الرؤية أو إخلال بالوازع الديني حين قال لاتمنعوا الموت العفيف فالموت والحياة بيدالله لا احد ينازعه فيه.
فلو كان قد قال لاتمنعوا الموت واكتفى أو اتم حديثهُ بصورة أخرى
لكانت قد أُخِذَتْ عليه ولكن وصفه الموت بالعفيف جعلت الصورة واضحة وفتحت آفاق لطرق الموت وأسبابه فهناك من يموت وهو يسرق اويقتل أو يؤذي…..الخ وهناك من يموت وهو يجاهد اويصلي أو يحج….الخ
وهنا يدعوهم بالموت المُثَاب الحسن الخاتمة
ففي الموت العفيف أيضا صورة رائعه للموت ذو الأوجه المتعددة.
ولكن كلمة عفيف حين قرأتُها تبادر لذهني العفة والشرف الأسري المحدود ولو استبدلها بالنبيل لكان أشمل وهذا رأيي.
إذا جري بلعاب طفل عله يجد المآل.
لا تروضوا فكرة أن الامل
مستحيل
ولا تسمحوا لليأئسين البائسين أن يَتسيدوا الموقف.
لا تمنعوا الأمل لعلنا نجد من خلالهِ الخلاص .
نص غاية في الروعة والجمال ولكن الحديث في تأويلاته يطول.
شعبان شاعر بشهادة المشاعر
قراءة سريعة للنص وللحديث بقية.
دمتم في رعاية الذي تأنس به رعاياه.
التعليقات مغلقة.