موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

رؤية نقدية للأستاذ محسن الطوخي لقصة “بريد مالطة” للأستاذ محمد كمال سالم في صفحة واحة القصة

383

رؤية نقدية للأستاذ محسن الطوخي لقصة “بريد مالطة” للأستاذ محمد كمال سالم في صفحة واحة القصة


النص/

بريد مالطة بقلم/ محمد كمال سالم.


لا أجيدُ الحديثَ،لهذا،وكلت قلمي ينوبُ عنّي في الكلام.
وأنا عاشقُ منذُ القِدم،لعينيها للفتاتِها،للحلم الموصول بلقائِها،
كل ما أعرفه عنها عنوانها،لهذا كانت رسائلي إليها،موشومةً بآياتِ الشوق،مرهونةً بخيطٍ واهنٍ من الأمل.
في كل صباحٍ أزرعُ الطريق بهجةً،أحمل خطابي الأبيضَ،إلي صندوقِ البريد الأخضرِ،أضعُ فيه قصةً جديدةً لي معها، أُمَنِّي النفسَ أن كلماتي ستلتقي عينيها بعد بضعةِ أيامٍ،لم أفكرْ أهو بريد طائرٌ،أم بريّ ولم أكترثْ للناس من حولي،إلا تلك العجوز التي تفترش الرصيف،جوار البريد،ترمقني بتشفٍّ،وكأنها تعلمُ سري،وتسخرُ من انتظاري الطويل.
اقتربتُ منها أريدُ أن أواجهَها بحنقي عليها،ولكنها بادرتني قائلة:
اشتري من بضاعتي عنوانًا،عناويني بصكِ الوصول.
قلت لها في تحدٍ: أعرفُ عنوانَ غايتي.
أشاحتْ بوجهها عني.
لم تغادرني ابتسامتُها الساخرة أبدًا،في كل يوم ألقي فيه رسالتي،
أتحداها في عزم،رغم يقين بنفسي،إنها في النهاية ستنتصر.
وفي ليلةٍ،تملَّك اليأسُ منّي،تبدل لون الصندوق الأخضر وبهت،ورسائلي لا تجد ردودا منذُ عقود.
قررتُ تلكَ الليلةَ،أن اكتبَ الرسالةَ الأخيرة:
حبيبتي،،جفَّ قلمي،كما تعثَّر لساني من قبل،نزفتْ روحي، علي أوراقٍ راقت،وأسفتُ لحالي،استرجعُ محيّاكِ َكل ليلةٍ،حتي لا أنسي ملامحَك،التي اتخيلُها تشفق عليّ.
ربما بريدي لا يصل؟! آن الوقتُ لأن أتوقفَ.
ألقيتُها في الصندوق والعجوز ترمقني بابتسامتها الساخرة،قلت لها: ألا ترحلينَ؟
قالت واجمةً: بعدكَم جميعًا!!
وفي يوم من أيامي القاحلة وجدتُ علي بابِ مسكني،ورقةً معلقةً،تناولتُها بشوقٍ حذرٍ،،قرأتُها: المذكور لدية رسالة مسجلة بعلم الوصول من مالطا،بمكتب البريد.
أسلمت ساقي للريح،أخيرًا رقَّت لرسالتي الأخيرة.
استلمتُ الرسالةَ،ظرفٌ ورديٌّ رقيقٌ يفوحُ منه شذى عطرها،فضضتُه بمجرد استلامِه:
حبيبي،طال غيابي عنك رغمًا عني،آتيك الغد في أرض الحكايات،معي وصيفتان،تحملان هديتي ورسائلك الشيقة.
كدتُ أطيرُ للسماءِ فرحًا،أغردُ مع الطيور علي الأشجار.
خرجتُ من مكتبِ البريد سعيدًا،أبحث عن تلك العجوزِ،أنتقمُ منها،وضعتُ رسالتي في حدقتيها صائحًا،بريدي يصل،بريدي يصل.
ضحكت وكأنها شريرةُ الحواديت،حتي بدَت أسنانُها الصدئة ،وقالت:لن تلتقيها.
قلت غاضبًا: كاذبة! فقط تُشرق شمسُ الغد.
لم أستطع النوم ليلتَها،أرقب موضعَ الشروقِ، أنتظر وصولَها،أخذتني غفوةٌ،جاءني فيها من كان يأتيني منذ طفولتي،ولا أتذكره،إلا بعد أن يحدث ماقد أخبرني به ،
قال لي تلك المرة:
سيسرقون شمسَ الغد.


الدراسة النقدية

يتميز صديقي محمد كمال سالم بلغة شفيفة، وبتجارب إنسانية تحلق بجناح العاطفة. كما تميل أفكاره إلى اتخاذ منحى وجودي.. فهو مشغول بالبحث عما هو غير متاح. والعقبات التي تعترض طريق شخصياته دائما ماتمتلك قدرات متجاوزة للقدرات البشرية.
وهي أمور تستوجب الاقتراب منها على مستوى الرمز ، ليعطي النص مفاتيحه.
لدينا أربعة شخصيات:

الراوي: صاحب التجربة، والباحث عن المستحيل.

العجوز: صاحبة القدرات.

الحبيبة الغائبة.

الهاتف الآتي من الغيب.
كل شخصية منها تملك قدرات تتجاوز قدرات البشر الطبيعية.
فالراوي كما رأيناه يتملكه شغف لا يهمد ولا يستكين لرد يأتيه من الحبيبة التي لا يعرف عنها شيئا، اللهم إلا عنوان ندرك بالإيحاء استحالة الوصول إليه بقدراته الطبيعية. وإلا لكان سافر إليها مختصرا رحلة نفسية طويلة مليئة بالقلق والعذاب. هل لدينا على المستوى الرمزي حالات مشابهة؟.. نعم.. على المستوى الميتافيزيقي يدرك الصوفي مكان الخالق. ويفني عمره في التواصل والوجد عسى أن تأتيه رسالة القبول. وعلى المستوى الفيزيقي يدرك العالم في مختبره أين تكمن الحقيقة العلمية، ويفني عمره في إجراء التجارب عسي أن ينكشف اليقين.
والعجوز شخصية لا يمكن فهم دورها إلا على مستوى الرمز.. فهي دائمة .. لا تبرح مكانها بجوار صندوق البريد… تبيع عناوين بصك الوصول.. وهي فكرة غريبة عجائبية. تحيلني إلى عالم جارسيا المليء بالدهشة. تمنيت للحظة لو أنها كانت بطلة الحكاية. لكنها أتت في السياق الرمزي لتقوم بدور هامشي، يتمم الفكرة. فالراوي ( المريد ) لا يثق إلا في معارفه. وهو يصف العجوز بما يحيلنا إلى مصادر معارفنا الأولى. فشريرة الحواديت شخصية تراثية وجدت في كافة الثقافات، واستخدمها البشر لتحقيق مآرب عدة مرتبطة بالنشأة والتربية. والتناول الموضوعي للعجوز في سياق النص لا يوجب النظر إليها كشريرة حقيقية. لكن كمدخل إلى السياق النفسي للراوي. فهو من يراها على تلك الشاكلة دون أن يكون لديه مبرر موضوعي. مايلفت النظر هو أنه رفض عرضها بشكل مطلق، دون أن يناقشها أو يدير حوارا.. هذا يدفعنا إلى النظر للراوي باعتباره شخصية غير سوية. فسلوكه يحيلنا إلى مايشبه الدوجما. وهو لفظ مرادف للقوالب الفكرية الجامدة، ويعبر عن الشخص الذي يظن امتلاكه للحقيقة المطلقة. ولعل تلك هي نقطة الضعف الوحيدة في الحبكة.
أما الحبيبة الغائبة، فلا يقل أمرها غرابة ورمزية عن سواها. فلا شيء يدل على قيام علاقة ما بين الحبيبين قبل الغياب. وهي تمتنع عن إجابة رسائل الحبيب لعقود، حتى يأتي ردها المتأخر ليؤكد صحة العنوان. ثم يتبين أن عنوانها الذي شغل القارىء على مدار السرد هو ” مالطا ” بما للمكان من تداعيات في الذاكرة الشعبية. فمالطا هي المكان الذي لا يستجاب فيه للأذان. ثم انها عندما ضربت للحبيب موعدا للقاء. عينته في ” أرض الحكايات “. فما هي أرض الحكايات.. وأين تقع؟.. يميل الظن إلى اعتبارها أرض افتراضية غير واقعية. فأرض الحكايات لا نجدها إلا في الحكايات. ولهذا فالمرجح هو أن الحبيبة ذاتها افتراضية، أو من وحي خيال الراوي. لكن تقوم عقبة في سبيل هذا الاحتمال، فمكتب البريد، والرسالة أمران واقعيان. لا يتوفر لدينا إلا وسيلة واحدة للتوفيق بين الأمرين. هو أن تكون للحبية الصفتين كلتيهما. واحدة واقعية، وأخرى افتراضية.
هل هذا أمر ممكن؟.. نعم… على الفضاء الأزرق.
هل فككنا شفرة النص؟… ليس بعد.
قد نكون اقتربنا من الحكاية في بعدها السطحي. لكننا لم نقترب بعد من العمق.
لنتأمل العبارات التالية ودلالاتها:

أنا عاشق منذ القدم.

تسخر ( العجوز ) من انتظاري الطويل.

أتحداها ( العجوز ) في عزم، رغم يقيني أنها في النهاية ستنتصر.

ألا ترحلين.. قالت بعدكم جميعا.

لن تلتقيها.
إن مايشغل بال الراوي في الحقيقة هي العجوز. نلاحظ أن مناجاته للحبيبة تأتي في مقام الراحة والدعة، وتجللها عاطفة جياشة، بينما يتجلى التوتر والمعاناة في المفاصل التي تتعلق بالعجوز.
من هي العجوز التي ستبقى بعد الجميع، والتي تملك وحدها عناوين بصك الوصول، والتي يستقر في ضمير الراوي أنها ستنتصر حتما في النهاية. لا أشك في أنها رمز لكل الأسئلة الحائرة التي داعبت خيال البشر منذ بدء الخليقة. هناك هم وجودي في ثنايا السرد يعبر عن نفسه من خلال الرمز. لذلك تنتهي التجربة دون أن يتم اللقاء. فالغد الموعود لن يأتي.. لم يقطع السرد بذلك. لكن الطيف المراود يأتي حاملا النذير، لتختتم القصة على فضاء مفتوح. هو نفس حال الأسئلة الوجودية المفتوحة على المطلق دون إجابات.
تحياتي لإبداعك اخي الجميل محمد كمال سالم.

التعليقات مغلقة.