رائد المغامرات محمود سالم بقلم / مرفت شتلة
يحل يوم الرابع والعشرين من فبراير ٢٠١٣ ذكرى وفاة الكاتب المصري الكبير محمود سالم، ولد الكاتب في الاسكندرية عام ١٩٣١، وكان والده يعمل ضابطاً بحرياً في خفر السواحل، ولطبيعة عمل والده كانت الأسرة دائمة التنقل، في العديد من المدن الساحلية كالإسكندرية، والمنزلة، وبلطيم، حتى حصل على الشهادة الثانوية العامة، بعد ذلك انضم إلى الكلية الحربية، غير أن انضمامه إلى مجموعه يسارية سرية حالت دون استكمال دراسته، انتقل إلى كلية الحقوق، ثم كلية الآداب، ولكنه لم يستكمل دراسته؛ إذ أخذت بعض الهوايات كالقراءة العامة وصيد السمك كل وقته، إلى أن عاونه أحد أقاربه في الحصول على وظيفة، وتم تعينه في وزارة الشؤون الاجتماعية.
بدأ مشواره الصحفي حينما تعرف على بعض الصحفيين مثل صبري موسى، وجمال سليم، وكانا يعملان في مجلة “الرسالة الجديدة ” التي تصدر عن دار التحرير.
عمل كمراسل عسكري لصحيفة الجمهورية في فترة العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦، حقق نجاحاً في تغطيته الصحفية للحرب، استقال بعدها من وظيفته الحكومية، وتفرغ للعمل الصحفي، حتى تم تعيينه رئيساً لقسم الحوادث في “الجمهورية” ثم انتقل للعمل في دار الهلال.
وبمجلة سمير التي تصدرها دار الهلال؛ اكتشف محمود سالم براعته وعشقه للكتابة للأطفال، كانت رئيسة التحرير بها هي نادية نشأت، وأصبح فيما بعد المسؤول عن تحرير المجلة، وبعدها انتقل إلى مجلة الإذاعة والتليفزيون، وفي عام ١٩٦٨ اقترحت نادية نشأت عليه إصدار سلسلة مغامرات شهرية للأطفال؛ فبدأت “بلغز الكوخ المحترق” وكان في البداية عبارة عن ترجمة لسلسلة بوليسية إنجليزية، باسم كاشفو الأسرار الخمسة، والذي قام بترجمة خمسة عشر عدداً فقط منها، وحينما لاقت السلسلة نجاحاً، بدأ في تأليف العدد الأكبر منها والتي اتسمت بالطابع المصري في الأحداث، وصدر عن دار المعارف صدر ما يقرب من ١٨٥ عدداً، انتهى صدورها ١٩٧٢
ما زالت السلسلة متاحة في الكثير من المكتبات، سواء نسخ ورقية أو للتحميل.
وحينما تكلم محمود سالم عن بداية عشقة للقراءة قال [أن والده قد أصيب بشظية قنبلة؛ اقتضت إجراء العديد من العمليات في عينية، وظل مربوط العينين شهوراً، وكان لزاماً على أفراد الاسرة المناوبة في القراءة له، وكان هو الأصغر سناً لأفراد الاسرة؛ والاختيار يقع عليه دائماً، فيقرأ له من “الأهرام” و “المصري” و” روز اليوسف” و”المصور” وقد ينام والده لفترات وهو لا يعلم بذلك، فيضطر للقراءة حتى ينتصف اليوم، ولم يكن يعلم انه يمر بالتجربة الأهم والأروع في حياته، وأصبحت القراءة متعة لا تقارن بأي متعة أخرى].
وعن أسلوبه ككاتب، تميز بالرقي، والسرد الموضوعي، وغزارة المعلومات العامة عن البلدان، والجغرافيا، وتاريخ المنطقة التي تتصدر أحداث الرواية.
وبالعودة لسلسلة [ألغاز المغامرون الخمسة] التي كانت عبارة عن مغامرات بوليسية تدور حول حوادث، مثل الاختطاف أو السرقة، وأحياناً عن الجاسوسية فيقوم مجموعة من الأطفال أبطال الألغاز، بتجميع الأدلة حول الحادثة، والتعريف بعدد من الاشخاص المشتبه بهم، وقد يستخدمون في بعض الأحيان التنكر، وتتطور الأحداث بشكل شيق ومثير، حتى اللحظات الأخيرة للإيقاع باللص.
والمغامرون الخمسة تترواح أعمارهم ما بين التاسعة والثالثة عشر؛ لذلك كانت دائماً تبدأ بكلمات للتعريف عنهم على [أنهم في مثل سنك]
والسلسلة هي الأبرز والأهم في تاريخ السلاسل التي تهتم بالأطفال، فنجد أن اختيار الأسماء كان اختياراً موفقاً، سهلاً، وخفيفاً على ألسنة الأطفال؛ فكانت أسمائهم [لوزة- عاطف – تختخ – نوسة – محب- والكلب زنجر] أخذت تلك السلسلة من الشهرة اتساعاً؛ حتى امتدت إلى الوطن العربي بأكمله.
كانت معظم الأحداث تحدث في ضاحية من ضواحي القاهرة، وهي المعادي حيث يقطن المغامرون، وبعض المغامرات حدثت في مناطق بالقطر المصري جنوباً، أو شمالاً، أو غرباً مثل[ لغز وادي الذئاب] وأيضاً [لغز وادي المساخيط ] و [لغز أبو طرطور] والقليل منها دارت أحداثها خارج مصر وهي [ لغز كلب البحر ] حيث دارت أحداثه على إحدى السفن، وأيضاً [لغز المدينة العائمة] الذي دارت أحداثه في إيطاليا، في مدينة البندقية تحديداً.
وحينما تكلم الكاتب محمود سالم عن سلسة الألغاز قال [عندما وصلت السلسلة إلى العدد العاشر؛ تم طباعة مائة ألف نسخة في الشهر، والتي نفذت من الأسواق خلال خمسة عشر يوماً، وتم صدور طبعة ثانية بمقدار أربعون ألف نسخة، وبعد ذلك أصبح المغامرون الخمسة هم حياتي، وكنت أحصل على خمسون جنيهاً عن العدد الواحد، وأدفع منها خمسة جنيهات ضرائب، ثم ازداد المبلغ إلى مائه جنيه، ونسبة خمسة بالمائة من المبيعات]
كانت الإصدارات تنفذ فور صدورها من الأسواق؛ مما جعل بعض المكتبات برعت في عملية الاستعارة بمبلغ زهيد من سعر اللغز الأصلي.
وابتكر الأطفال حينها أسلوب الاستعارة، والاستبدال بين بعضهم البعض.
بعدها صدرت سلسلة كانت استكمالا لسلسلة المغامرون الخمسة، وهى سلسلة الشياطين الـ١٣، سلسلة لبنانية مصرية، صدرت لأول مرة في لبنان؛ لوجوده في ذلك الوقت هناك، كان أبطالها من جميع الأقطار العربية الذين كانوا يتصدون إلى مؤامرات تحيكها أجهزة مخابرات أجنبية، وتهدد سلامه الأوطان، يتزعمهم رقم صفر الرجل المجهول، ثم بعد ذلك صدرت عن دار الهلال حينما عاد محمود سالم إلي مصر، صدر منها أكثر من ٢٥٠ جزء بدأت في العام ١٩٧٨، وفي عام ٢٠٠٧ تحولت إحدى مغامرات الشياطين الـ١٣ إلى فيلم سينمائي بعنوان [الشياطين ]
كان من إخراج أحمد أبو زيد .
لم يتوقف الكاتب محمود سالم عن الكتابة حتى الشهور الأخيرة من حياته، واظب على كتابة حلقات جديدة من المغامرون الخمسة ٢٠١٠
عن دار الشروق
منذ عدة سنوات تحولت بعض ألغاز المغامرون الخمسة إلى حلقات كارتونية، ولم تلقي رواجاً كما ألغازه التي كانت أسلوباً راقياً للهو لمن كانوا أطفالاً في هذا الوقت
لم يجد حتى الآن أي من الكُتَّاب المعاصرين وسيلة، أو أسلوباً يجمع به فئة عمرية من حوله، كما فعل الراحل محمود سالم، الذي صُنف كرائد لأدب المغامرات البوليسية، والألغاز للأطفال والشباب.
المغامرون الخمسة قصص تكاد تكون متفردة بالأسلوب والوسيلة، ولم تتكرر، رحم الله كاتباً؛ أثرى البيت المصري بل والعربي، بثقافة زهيدة السعر، غنية المحتوي.
التعليقات مغلقة.