راية الهزيمة… محمود حمدون
” راية الهزيمة “
محمود حمدون
ما بيني وبينه شوق جارف وخوف عظيم , فكما أن وجوده ما بين مدّ وجزر ,كذا تضرب الحياة بيننا فتارة ألتقيه على شوق حبوًا , وأخرى أفرًّ منه فراري من بلدة أصاب أهلها وابل , أندفع إليه كما فعلت بالأمس القريب, يحدوني أمل أن أجد بين أمواجه طمأنينة وسكينة بعد صخب الحياة وقسوة أفاعيلها معي .
لكنّي وجدته ينتظرني يفتح زراعيه وقد أزدادت زُرقة مياهه , واستقبلتني أمواجه واحدة بعد أخرى , كلما لطمتني إحداها لا أفيق منها إلاّ وثانية تصفعني بقوة , فلم أعد أدر أذاك تنبيه وإفاقة أم يجدني ضحية يلهو بها دفعًا لسأم .
خلتُ أنه لا يرغب بلقائي فآثرت الابتعاد عندما أوليتُه ظهري تشبّث بيّ فكنت أستشعر أنه يجذبني إليه برفق, فخرجت عن عجزي ونأيتُ بمهابته تلك المرّة جانبًا وهجمتّ أنا عليه , فما وجدت مقاومة منه , فاقتحمته إقتحامًا وجرأة عليه كبيرة غمرتني ومعاها لحظة صفاء حلّت بيّ.
لكنه خادعني فهدأ وسكن بعد حدّة حتى ظننته قد خضع ليّ وأسلم راية الهزيمة , لكنّي أعلم يقينًا أن مثله لا يغفو ولا يترك ثأره , فوجوده رهن بقدرته على وأد خصومه سريعًا إمّا بحُضن قاتل يجذبهم لأعماقه أو بوكز و لكز حتى يطرحني سقيمًا على شاطئه ..
قبالته وبين يديه وقفت , سألته كما أفعل كلما رأيته : ما حاجتي إليك؟ وما الداع لوجودي هنا ؟ كيف أترك الدنيا على قلّة ما سيأتي منها و أسعى إليك وأنا أدري أن آخرتي تقع منك ما بين الزرُقة والعتمة السوداء بأعماقك؟
تلك المرة ضجّت أمواجه وارتفعت كطود عظيم وبان بينها طريق قفر ممتلئ بشوك وأزهار من صبّار لا تسر النظر ولا تمس شغاف القلب , على أهبة استعداد وقفت أشحذ همّتي , أرجو وقد انزاحت قليلًا عن بصيرتي خمائل مقام الحيرة .
التعليقات مغلقة.