رجال في الإسلام.بقلم.مدحت رحال
( هذا خالي ، فليرني امرؤ خاله )
خال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( الأسد في براثنه )
( سعد بن مالك الزهري )
( سعد ابن أبي وقاص )
جده عم السيدة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو من أخواله ،
أسلم على يدي أبي بكر مبكرا وعمره سبع عشرة سنة ،
هو أول من رمى بسهم في الإسلام
والوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه فقال له يوم أُحد :
( إرم سعد ، فداك أبي وأمي )
هاتان مفخرتاه يتغنى بهما سعد دائما إلى جانب مناقب أخرى كثيرة :
( خؤولته لرسول الله )
( فداه الرسول بأبيه وأمه )
كان يُعد من أشجع فرسان العرب والمسلمين ،
وكان له سلاحان :
رمحه .. ودعاؤه
فهو مستجاب الدعوة ببركة دعاء الرسول له :
( اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته )
كان سعد من أغنياء المسلمين ،
جمع بين وفرة المال وحلاله ،
وبقدر ما كان ثريا فقد كان جوادا كريما ،
من المبشرين بالجنة :
بينما الناس جلوس ذات يوم عند رسول الله عليه الصلاة والسلام ، رنا ببصره إلى الأفق وقال لهم :
( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )
واشرأبت الأعناق تنظر من هذا المبشر بالجنة ،
وإذا هو سعد يطلع عليهم ،
يجمع تلك الصفات ويغذيها صلابة الإيمان وعمق اليقين .
يوم أسلم أعلنت أمه صومها عن الطعام والشراب حتى يرجع إلى دين قومه ،
وحين أشرفت على الهلاك ، ذهب إليها سعد وقال لها في ثبات المؤمن ويقينه :
( تعَلٌمين والله يا أمَّه ، أنه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني ،
فكلي أو لا تأكلي )
وأكلت !!
هذه المزايا جعلت الخليفة عمر بن الخطاب يستجيب لاقتراح عبد الرحمن بن عوف بتولية / سعد ابن أبي وقاص :
( الأسد في براثنه )
قيادة جيش القادسية في أخطر معركة من معارك الإسلام الفاصلة مع الفرس ،
ويلتقي الجيشان :
الفارسي بقيادة رستم في مائة ألف مدججين بأقوى ما تعرفه الأرض يومئذ من عتاد وسلاح تتقدمه الفيلة المدربة .
والإسلامي بقيادة سعد ابن أبي وقاص في ثلاثين ألف مقاتل في أيديهم الرماح ، وفي قلوبهم إيمان يقتلع الجبال الرواسي ،
وتتوالى كتب سعد إلى أمير المؤمنين في المدينة يوميا وبانتظام حتى كأنه يتابع اللقاء عن قرب ، ويمدهم بتوجيهاته وآرائه ،
وتدور المعركة رهيبة .
وسعد يعاني من مرض مفاجىء لا يستطيع معه أن يجلس ، فضلا عن أن يركب فرسا ،
ويدير المعركة من شرفة الدار التي اتخذها مركزا لقيادته ،
متكئا على صدره فوق وسادة ، دمامله تنزف وهو في شغل عنها يصدر أوامره ويدير المعركة ،
ولا تلبث أن تنكشف المعركة عن نصر مؤزر للمسلمين .
فقد قُتل رستم قائد الفرس ، وطارت فلولهم مهزومة .
وطاردهم المسلمون حتى ( نهاوند ) ثم ( المدائن ) . ويدخلونها حاملين إيوان كسرى وتاجه غنيمة وفيئا ،
وجاءت موقعة ( المدائن ) بعد القادسية بقرابة عامين ، أبلى سعد فيها بلاء عظيما ،
وقرر سعد أن يعبر دجلة إلى الجانب الآخر حيث الجيش الفارسي يلملم فلوله ، فيسلبهم مزية الرقت .
ونجحت خطة سعد في العبور نجاحا يذهل له المؤرخون ،
فقد اجتاز الجيش الإسلامي النهر وهو في عنفوان فيضانه دون أن يخسروا جنديا واحدا بل ولا شكيمة فرس ،
وولى عمر سعدا إمارة العراق ، فمضى يبني ويعمر ، وكوّف الكوفة وأرسى قواعد الإسلام في تلك البلاد العريضة الواسعة ،
ولكن طبع أهل العراق القلق المتمرد غلبهم ، فشكوْا سعدا إلى الخليفة بزعم مضحك : أنه لا يحسن الصلاة فيهم ،
ويستدعيه الخليفة إلى المدينة ، ويؤثر البقاء فيها ، ويأبى العودة إلى العراق أميرا،
وكان سعد من الستة الذين اختارهم الخليفة عمر بن الخطاب حين اغتيل ، ليختاروا من بينهم خليفة .
وتجيء الفتنة الكبرى بين على ومعاوية ،
ويعتزلها سعد ، ويقول لمن يحاولون زجه فيها :
أريد سيفا إذا ضربت الكافر قطع ، وإذا ضربت المؤمن نبا )
وذات يوم وقد جاوز سعد الثمانين ، كان في داره يتهأ للقاء ربه ،
ويأمر أهله أن يخرجوا له رداء قديما قد بلي وأخلق ليكفنوه فيه ويقول :
( لقيت المشركين فيه يوم بدر ، ولقد ادخرته لهذا اليوم ) ،
وحُمل جثمان آخر المهاجرين وفاة ، ليأخذ مكانه إلى جوار من سبقوه في البقيع .
رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أجمعين .
التعليقات مغلقة.