رجال وأرملة قصة قصيرة بقلم /د. محمد محي الدين أبوبيه
صديقى( صابر) له جانب مظلم في حياته لم يخبرنى به إلا من أيام قلائل فقد اتصل بى وأصر على ملاقاتى ليحدثنى بشأن أمر يجثم على صدره كالجبال
حدثنى أنه وُلِدَ لأب غنى جداً ولكن لم يمهله القدر ليراه فقد توفى وهو مازال رضيعاً وكانت أمه فتاة لم يتعد سنها العشرين ولكنها أصرت على عدم الزواج بعد أبيه وأنها ستكتفى به وستقوم بتربيته أحسن تربية رغم توافد الكثيرين ليطلبوا يدها للزواج فهى صغيرة وورثت عن زوجها الكثير منها العمارة التى يسكنون بها وبأسفلها محلات يقومون بتأجيرها وباقى شقق العمارة أيضا .
مرت السنون حتى بلغ سن العاشرة فوجئ وقتها بأمه تحدثه بأنه كبرويستطيع الاعتماد على نفسه في أموره الشخصية وهى مازالت فى ريعان شبابها وقد ضحت من أجله طيلة السنوات الماضية حتى نضج فعليها الآن أن تنظر لنفسها قبل أن يمر قطار العمر وتجف شجرتها
لم يستوعب صديقى ماقالته ولكنه فهم أن رجلاً آخر سيدخل حياتهما
هو تاجر كبير فى سوق الفاكهة والخضار لم يتزوج من قبل أصله من الصعيد لذا هو يجمع بين الحدة والبساطة وبين التهور والأناة دائما يثور لأتفه الأسباب يضحك أيضاً لأبسط المواقف
لم تحدث بينهما أُلفة فقد كان صديقى يخشي تحول شخصيته من النقيض للنقيض
لقد عاشوا فى شقتهم كما اشترطت أمه للموافقة على الزواج
مرت أيامهم معاً بين المد والجزر حتى أتي يوم وهو محمول على أعناق عماله مقطوع الأنفاس
ماذا حدث؟
لقد حدثت مشاجرة بينه وبين تجار آخرين منذ أسبوع بسبب أولوية التحميل فأقسم أن يلقيهم خارج السوق ويقطع دابرهم
إلا أنه لم يأخذ احتياطه منهم فترصدوا غياب حراس(شادره)
ليلاً وقاموا بحرقه وأصبح كالصريم
وعندما رأى ذلك المنظر سقط على الأرض لا يحرك ساكناً
وهكذا عادت أم صديقى أرملة مرة أخرى
لم يحزن عليه كثيرا وفرحته بعودة أمه إليه مرة أخرى له وحده لم تدم فقد صارحته أن المحاسب الذى كان يدير حسابات زوجها ويعلم كل صغيرة وكبيرة ب ميراثه تقدم لخطبتها
هو رجل تظهر عليه سمة التقوى فرأسه تتزين بزبيبة صلاة وهادئ الطباع يميل في أكثر كلامه للتحدث باللغة العربية الفصحي..كان متزوجا من قبل ولكنه لم ينجب
بعد زواجها من الأستاذ ( مؤمن)… اسم الزوج الجديد… ارتدت الأم النقاب والتزم صديقى بالصلاة بل أصبح سائحاً في البلاد زائرا لمساجد الأولياء الصالحين فقد شدّه الأستاذ مؤمن لطريق التصوف وحببه إليه…
حام طائر السلام حول بيتهم سنوات
لم ينزع ذلك إلا صوت رصاصة غادرة أسالت دماء الرجل المؤمن وهو في إحدى رحاب الأولياء بمدينة( المنيا)عند مسجد السيد الفولى..وقُيدت الحادثة ضد مجهول
مر صديقي بعدها بأوقات صعبة فقد ارتبط بزوج أمه ارتباطا عميقا ودخل في نوبة اكتئاب شديدة
الذي أخرجه من حالته تلك رغبة أمه فى الزواج للمرة الثالثة فقد كان يظن أنها ستظل فى ذكرى ذلك الرجل المؤمن الذى أظلهم بالمحبة والسلام
أقنعته بأن هذا الرجل يمت بصلة قرابة لزوجها السابق وأيضاً محاسب وكان مساعده وأيضا يعمل مديرا لإدارة حسابات مديرية الصحة فهو رجل (شبعان) لن يطمع فيهما
تمت الزيجة وهاجس غريب يلف جنبات صديقى والذي فسره ظهور حقيقة أن هذا الزوج الجديد كان متزوجاً من قبل ولديّه شابان
وهذا عكس ما أخبرهما من قبل أنه غير متزوج..وقد عرفوا بعد أن أحضر زوجته وولديّه ليسكنوا معهم في نفس العمارة
ثار صديقى وثارت أمه ضد هذا الاجتياح المفاجئ
هددهما بأنهما سيُلاقيان أياماً سوداء والفوضى ستعم مناحى حياتهما ولن ينعما أبدا بثروتهما ما لم يشاركهم فيها خاصة أنها كلها بين يديه
….لذا قد أتيّت لى يا صديقى
نعم ..لتجد معي حلاً لهذا الجبل الجاثم فوق صدرى
…ربتت على كتفيّه قائلاً
الخُلع هو الحل لكن ليس هو الوحيد فلا تركنوا إليه ياصديقى واستعدوا بوسائل أخرى تحموا بها ثروتكم وأولها أن تستقل بنفسك وتبحر في مجرى ذاتك
التعليقات مغلقة.