رحلة العبور مقال بقلم محمد محمد كسبه
كلنا أرواح تسبح في الفضاء في ملكوت الله الواسع ، منا من تعجبه تلك الحياة الملائكية التي تخلو من الفوضى و المشاكل ، تلك الحياة أزلية كلها طاعة لله ، و منا من يسعى لوضع حدود لتلك الروح في وعاء أشبه بالسجن ، ذلك الوعاء الذي يقيد حركة الروح و يجعلها رهينة بقوة البدن و قدرته على التكيف و البقاء مدة من الزمن في جسد يشيخ و يبلى بمرور الزمن .
نحن من طلبنا أن نغير تلك الحياة الصافية الطاهرة ، النقية و طلبنا الاختبار ، لم نكن نعرف أو نعلم بحجم تلك المعاناة التى تمتزج فيها السعادة بالألم و الحزن بالفرحة ، تلك الحياة الخليط المتلونة بائسة جدا ، لو كنا نعرفها ما طلبنا الاختبار من الله لنثبت أننا صالحين ، فأمواج الحياة و صراعاتها أقوى مما نتخيل أو نظن ، لقد بعنا ما نعلم بما لا نعلم ، تلك الصفقة قد تربح و قد لا ، و النتيجة هل ستعود الروح للنعيم كما كانت أم ستضل الطريق و تهلك ؟
الملل ، الرتابة و التعود على الراحة و السعادة شيء يجعل الروح بالفعل تسعى للتمرد ، للتجربة ، أو حتى لمحاولة كسر الجمود .
نعم الروح تسعى لأن يكون لها جسدا يحويها و نفسا تملكها و تكتنفها ، و تظل النفس تعاني بين الروح و الجسد ، هل ترضى الروح و تسعى للمثالية و ترتقي كما كانت في حب الله ، أم تهبط للمنزلة الدنيا و تنغمس في الشهوات ؟
يا ليتني ظللت روحا تسبح في النعيم ، في ملكوت الله ، ما أصعب ذلك الاختبار النفسي !
الحياة على الأرض درب من المستحيل ، حياة تملؤها المنغصات ، الحزن كفيل بإنهاء السعادة في أي لحظة ، الراحة لم يخلقها الله على هذه الأرض ، هل تستطيع أيها القاريء أن تخبرني بشفافية و وضوح ، هل صادفت يوما شخصا ما مرتاحا في هذه الحياة ؟ بالطبع لا
فالحياة على الأرض متعبة جدا ، داخل هذا الجسد الذي يمرض و يتعافى أحيانا , و أحيانا أخرى يظل المرء حبيس الفراش حبيس الجسد المريض .
الأرواح لم تكن معذبة أبدا ولا مقهورة فهي راقية بذاتها .
لكن الأنفس تظل تعاني حتى تحدث التوافق بين الروح و الجسد فترتقى و تسمو ولا تشغلها مصائب الدنيا ولا تهزها كوارث القدر ، الروح خلقت فقط لترضى بقضاء الله وقدره و تعيش في معيته .
على هذه الشاكلة ، بين يدي الله ، أتمدد على سرير الموت ، أنتظر قضاء الله و لطفه ، حين ستخرج الروح من هذا الوعاء الضيق ستنطلق في الملكوت و تسبح في فضاء الله الواسع مع الطوافين المسبحين، ما أصعب رحلة العبور ! .
التعليقات مغلقة.