موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

رحلة العمر بقلم ..فادية حسون

248

رحلة العمر بقلم ..فادية حسون

( لما وصّلنا المدينة فاض الدمع من عنينا ) ..
هكذا كان الحالُ عند اللقاء ..
ولكن .. ماحالُ قلبِِ من يغادركِ يامنوّرة ؟ وماحالُ هذه الروح التي اقتطعَتْها أنوارُك مني وظلت بقاياها تحومُ هناك .. في ساحات الحرم الجليل .. في الروضةِ الشريفة .. عند قبرِكَ ياطبيب قلبي .. عند حافظاتِ ماءِ زمزمَ ..
عند مناقيرِ الحمائم الآمنة .. عند الأبواب الخشبية العملاقة .. وأسماء الصحابة الكرام التي نُقِشت على الجدران والأسقف… كنتُ أستشعرُ وقعَ خطواتِك في كل مكان ياسيدي العدنان .. تركتُ بعضًا من روحي في كل المساجد التي تشرّفَتْ بكَ ولامست طُهرَ جبينك ، واستمعت لأنفاسك الطاهرة وقت السجود .. في مسجد قباء .. في مسجد الشهداء .. وصعدتُ إلى قمةِ جبل أُحد المقابلِ لمسجدِ الشهداء .. وتجرّدتُ من الزمان .. عدت إلى منهاج التربية الإسلامية في المرحلة الإعدادية .. فتحتُ على سيرة الرسول الأعظم وغزواته .. أسرجتُ جوادي مخيلتي وذهبت إلى معركة أحد .. نظرتُ إلى مرقدِ سيّد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب عم الرسول رضي الله عنه .. شممتُ بأنفِ روحي عبائقَ دمِه الطاهر .. ودماءَ الصّحابة الأخيار ..
ثم تحولتُ في اليوم الثاني إلى مسجد القبلتين .. حيّيتُه بركعتين من صميم القلب .. حاولت أن استشعر موطئ قدميك الشريفتين في كل ركن وأقول في سري : هنا داس سيدُ الخلق .. وهنا وضع جبينه مصلّيًا .. ووددت أن ألثم الأرض والجدران والهواء .. وبعدها كانت الوجهة إلى المساجد السبعة المختصرة في مسجد واحد .. وحالا قفزت إلى ذهني صورُ الخندق .. هذه الغزوة التي سطّرَ فيها الرسولُ وصحابتُه الطيبون أروعَ الانتصارات .. في كل مسجدٍ تركتُ أربعَ بصماتٍ لجبيني ، وألف بصمة لفؤادي وجوارحي .. وبعض الدموع انفلتت رغما عني .. لا أحد يسألني (كيف ولماذا) .. هناك مشاعرُ غريبة من الصّعب أن تُترجمَ إلى كلمات .. وكانت وجهتي الأخيرة قبيل أذان المغرب بقليل إلى الحرم الشريف .. زيارة الوداع .. كنت في كل خطوة أصلّي وأسلم بلساني على الرسول العظيم الذي ملأت أنفاسُه المكان .. هناك الكثير الكثير من الأمانات والسلامات أثقلت كاهلي .. وحاولتُ بما أسعفتني به الذاكرة المنشغلة أصلا بعظمة المكان وهيبة المشهد… أن أستحضرَ وصايا أخواني وأخواتي في الله .. فأوصلتُ الأمانات وطلبت من مقامه العظيم الشفاعة لي ولوالديَّ وبناتي وأزواجهن وأسباطي ولكل من استوصاني .. كان نظري يجولُ في ساحة الحرم الضخمة نصف جولة .. والنصف الآخر كان مثبّتا على القبّة الخضراء التي يوجد تحتها قبر حبيبي أبي الزهراء .. ياااااالله لاأستطيع وصف الشعور .. ماااأجبنكِ أيتها الأبجدية أمام قبر خير البرية ..
وبعد صلاة العشاء بدأ القلبُ يرتجفُ والعينُ تذرف .. كانت هذه آخر صلاة لي في هذا المكان الذي لايشبهه مكان .. أدرْتُ ظهري مغادرة.. لكن القلب يأبى .. والروح تستصرخ جوارحي أن تبقى .. في حضرة القداسة .. في حضرة السكينة .. في حضرة نسائم الاطمئنان والارتياح والصفاء ..
ياالله ماأصعب فراقك يارسول الله .. كم شعرتُ بحرقةِ الصحابة حين فارقوك حيّا بعد أن عاشروك .. وأنا اليوم أفارقك ميتا ولم أركَ قط .. شعرت بغصّة بلال أثناء الأذان بعد وفاتك حين كان يختنق بعبارة ( أشهد أن محمدا رسول الله ) .. لكن ما يخفف لوعة الوداع أنني أتّجه اليومَ إلى مكة… اليوم أترك المكان الذي هاجرتَ إليه وعشتَ فيه ونشرت دعوتك المحملة بالإنسانية والنور ومتَّ ودُفِنتَ هناك في أرض البقيع المطهرة …تركتُ مدينتك الحبيبة لأعود إلى حيث بزغ نورُك ليضيئ البشرية جمعاء .. إلى أم القرى .. القرية التي انبثقت منها أعظم وأول كلمة في الوجود ( اقرأ ) .. وقعت على مسامعك الشريفة على لسان مبلّغِك العظيم جبريلَ عليه السلام .. فأرعدتْ جسدَك الطاهر .. وطلبْتَ من الطّاهرةِ خديجة أن تُزمّلك… فزمّلَتْكَ ولم تكن تعلم بأنها تزمّلُ البشرية من صقيعِ الجاهلية والوثنية ..
اليومَ أعودُ مجدّدا إلى مكة لينفطرَ قلبي وأنا أستحضرُ ما تعرّضتَ له من أذى من قبل كفّار قريش .. وأعيشُ حالةً غريبةً من الترقّبِ والحذر وأنا أستذكرُ تفاصيلَ هجرتِك مع الصدّيق رضي الله عنه وأرضاه وماصادفها من خطوراتٍ وأهوال .. اليوم أنا ياسيدي سأزور الكعبة الشريفة معتمرة للمرة الثالثة .. وكما في المرة الأولى والثانية .. ستخونُني بلاغتي .. وتنكرُني أبجديتي عند أول انطباعٍ لصورة الكعبة على شبكية روحي .. كنتُ قبل أن أراها بأم عيني .. كنت قد درّبتُ (ذهني) على الكثير من الأدعية .. وأقول( ذهني) .. لأن ذاكرةَ القلب ممتلئةٌ ومكتظّةٌ فقط بمشاعرَ عصيّةٍ على التّفسير…
زاد الخفق ياالله .. زاد الخفق.. كلما اقتربت منها زاد الخفق والارتباك .. عدة خطوات تفصلني عنها ..
خطوات قليلة… وأكون في حضرة البهاء الرباني .. أمام أقدس مابنى بنو البشر .. هاأنذي اقتربُ من رؤيتها… وحين لمحتْ عيناي ذاك البناء العظيم المُسدل عليه رداؤه الأسود المذهّب بلفظِ الجلالة .. ضااااعتِ الكلمات .. ونابت العينان عن اللسان .. ودخلتُ في الزحام… وهامت الروحُ والجوارح تطوف .. لم أكن أركز في عدد الأشواط .. فقد كنتُ أستعينُ برفيقتي لتنتشلني من أميّتي المباغِتة .. .. كان كلُّ تفكيري مركزا على هذه العظمة .. هذه الهيبة .. لاأدري كيف انقشع الازدحامُ الذي يفصلني عنها فجأة … رأيت نفسي وبلا وعي أسارعُ إلى لمسها .. بقيتُ نصف دقيقة وأنا أتحسس جدارها العتيق ولباسها الجليل .. وثملت وأنا أشمُّ طِيبَها الذي كاد أن يُدخلَني في غيبوبةٍ من السُّكْرِ الحلال . ثم اقترب فوج آخر يحملُ في عينيه نفس كمية شوقي وشغفي .. فأفسحتُ لهم رغم أنانيةٍ ظهرت فجأة في داخلي لست أدري منشأها …
وواصلتُ طوافي .. طفتُ بجسدي سبعةً .. وطافت الروح ألفًا ..
وبعد أن صلّيتُ ركعتين، هرعتُ كما هرعت هاجر لأروي ظمأً عتيقًا…
أين هو ماءُ زمزم .. فالروحُ عطشى .. والقلبُ راجفٌ خفّاق .. والجوارحُ مستميتةٌ تنشدُ الإرتواء .. لاأدري كم كأسا شربت…وبدأت ألجمُ روحي المشاكسة التي لاتعرف الشّبع والتي أحسستُ بها كطفلةٍ تشدُّ مئزرَ أمِّها بإصرارٍ مغلّفٍ بغشاءٍ من الحرج ، وتطلب المزيد .. وأنا لاأرفض لها طلبا .. ثم صعدتُ إلى حيث صعدت هاجر لتسعى بحثا عن الماء لطفلها الظمآن … بدأت أسعى تيمُّنا بمشقّتها وتعبها… شعرتُ برائحة عرقِ الأم الساعية بلهفة .. تذكرتُ أمي الحبيبة وتضحياتها الجِسام…
رغم لهاثي ومشقتي إلا أن حجم الارتياح الذي اعتراني لاأستطيع شرحه بكلمات .. أحسست أنني شاطرتها تعبها .. وأحسست بحجم فرحتها حين تدفق نبع زمزم الطاهر .. وجبَرَ الله خاطرها وأقرّ عينها ببرد الارتواء واليقين الذي ارتسم على ملامح طفلها ..
سعيتُ بجسدي سبعةً وسعيتُ بلهفةِ قلبِ الأم ألفًا… وغادرتُ الحرم المكي الشريف وأنا أحاول عبثا أن أخفي ملامح دهشتي المفضوحة أصلا، وألملم بقايا ذهولي التي تساقطت مع قطرات العرق التي ذرفتها في الطواف والسعي في ذاك الموقف العظيم الذي أدعو الله تعالى أن يبلغه لكل من سيقرأ نصي بقلب المشتاق ..

فادية حسون

التعليقات مغلقة.