“رد الجميل” … بقلم محمد كمال سالم
يا إلهي، كم الساعة الأن؟!
آه ياربي لقد استيقظت اليوم متأخراً، إن لدي اليوم عمل كثير جداً ينتظرني، كل من في البيت ذهب دون أن يكلف أحدًا منهم مشقة إيقاظي.
سأتوضأ وأُصلي وأنزل سريعاً، آااااه، إنها تمطر أيضًا سأذهب بالمواصلات.
ماذا يحدث، بل ماذا أفعل؟!
أين التليفون ؟ سأدير العمل اليوم تليفونيًا وأنتهي، لا هذا ايضًا مستحيل!
فما ينتظرني لن ينجزه غيري! فلا بد أن اذهب.
تدثرت جيدًا وأصبحت الآن في الشارع ،المطر غزير أين المواصلات؟ لا يجوز أن تعاندني الان سيارات الأجرة، لا مكان أتواري فيه من المطر ، اخيراً القيت نفسي في أول (ميكروباص) وقد بللني المطر فعلا.
لا وقت للجدال، يكفيني توتري الذي أعانيه بسبب التأخير، سأصمت ولن أدخل في مهاترة مع السائق فتلك الموسيقي الالكترونيه الرخيصة تكدر صفوي، سأصمت، لست أدري من أين أتى هؤلاء الناس إلى بلادنا ومتى!
أهم غرباء عنها؟ أم أني أصبحت قديمًا غريبًا على تلك البشريه! أخيرا ها قد وصلت.
وثبت مهرولاً من العربة سأعبر الشارع الآن وأسير في طريقي المعتاد إلى العمل بمحازاة سياج الحديقة التي تتوسط الميدان.
يا إلهي! كل يوم تُسرق قطعة من سور الحديقة الحديدي حتي أصبح كشيخ يفقد بعضا من أسنانه يوماً بعد يوم.
في طريقي رأيت حدأه ميتة بجوار السور ، إنها مازالت تمطر ، ولكن هيا أسرع خُطاك فأنت متأخر.
لا، لا ليست حدأه، قاومت تعجلي وطاوعت فضولي، عدت أدراجي أنظر إلى هذا الطائر المقتول!
إنه غُراب وليست حدأه أنا أعرف الغراب جيدًا.
جلست القُرفصاء أنظر اليه وقد اختلطت جوارحه وهو ملقي على ظهره، مددت أصابعي في حذر أرفع إحدى جناحيه الذي يواري رأسه ،انه حقاً غُراب.
لم يمر عليه وقت طويل حين تعرض لهذه القتله، هكذا تقول هيئته وريشه الذي مازال لامعاً صحواً، أو لعله فعل ماء المطر!
اعتدلت واقفاً انظر حولي في أسىَ.
أهكذا يُفعل بأول معُلم للبشريه؟!
أليس هذا أول مبعوث للبشرية من قِبل الله يُعلم ولد آدم كيف يوراي سوأة أخيه بعد أن قتله؟!
طالت وقفتي أنظر للمارة وللقتيل عسي أن يشعر أحدٌ بحالي، لكن يبدو أن الجميع قد تأخر اليوم على عمله!
أو لعلي أنا من به شيئٌ من البلاهة حتي أكترث لمثل هذا الأمر!
فلا مفر اذاً
انحنيت على الطائر أرفعه من على الأرض حيث كان مُلقي حريصٌ الا أتفحصه جيدًا فأري ما يؤلمني ،فأنا لا احتمل.
وانسلت به من أحد الثغرات التي خلفها سارقوا السياج الحديدي حتي أصبحت داخل الحديقة.
يوجد هنا جنايني أسمر اللون في محياه طيبه، أراه كل يوم يكدح في الحديقة عملاً دون أن أرى أثرًا لهذا الكدح عليها، أين هو؟!
تجولت بعض خطوات أصيح أناديه، لكن دون جدوى في أن أجده؛ امتلأ حذائي بالوحل وأصبح ثقيلًا، ولما يأست من العثور عليه قررت أن أواري سوأة الغراب بنفسي.
بحثت أولًا عن مكان آمن من معول الجنايني حتي لا ينثره أشلائا أثناء عمله، ثم جلست القُرفصاء حذراً أن تتوحل ملابسي هي الأخرى، ورحت أنبشُ ثرى الحديقة وقد أصبح موحلاً تماماً.
المطر توقف، لكنها مازالت تدمع، جسدي أصبح يتقدُ نارًا تحت وطأة ملابسي الثقيلة رغم برودة المكان ،وجبيني أصبح مبتلاً ولا أملك أن أجففه فيداي متسختان بالوحل وقد تجمدت أصابعي.
وبعد جهد جهيد، وعند عُمق مناسب واريت جسد الغراب في الحفرة ورحت أنظر إليه.
وراحت تحدثه نفسي:
عذراً أيها الغُراب، عُذراً من ولد آدم ناكري الجميل، فما أبشع جرائمنا وما أسوءها أخلاقنا!
نم الآن وأسترح فلن تجد أطيب ولا ألين اليك أكثر من هذا الثري.
رحت أهيل عليه الوحل من جديد ولسان حالي يقول له : أضعف الإيمان أن نرُد إليك الجميل.
عثرت على صنبور المياه الخاص بالحديقة ولكني لم أستطع أن أفتحه، فغسلت يدي في الماء الراكد حوله
وذهبت إلى عملي مُبتلاً مكدودًا ومحزونًا، ظانًا أني لن أستطيع إنجاز عملي في هذا اليوم .
ولكن دون حول مني ولا قوة،
ذاب العمل في يدي وانتهى كقطعة جليد.
في طريق عودتي،،
مررت حيث يرقد الغراب فنظرت إلى قبره وناديت عليه:
أيا غراب، نسيت أن أقول لك:
أن هابيل أيضًا قد تعلم القتل.
التعليقات مغلقة.