رذاذ… محمود حمدون
” رذاذ “
محمود حمدون
كلما تساقط رذاذ المطر . نادرًا ما يهطل المطر بغزارة كما يفعل بالمدن المجاورة , كانت أمي تمسع دمعة سريعة تنحدر على وجنتيها , ثم تبسمل وتتلو في سرّها كلمات لم أتبيّنها أبدًا , حال استمر سنوات طويلة مذ أن وُعيت على الدنيا حتى وفاتها .. تنظر للسماء بعين قلقة ثم تقرأ أدعيتها ويلهج لسانها بما غمُض عليّ وقتها .
كنت أتبرّم من تصرفها هذا و أشياء كثيرة فعلتها هي , كم كانت تثير حفيظتي , لا زلت أتذكر أنّي كنت أتشبث بجلبابها الأسود , اشدّها من يدها أتعجل السير وراء غاية كنت أحسبها عظيمة , بينما كانت تجذبني هي برفق وترجوني أن ننتظر.
رأيت صغيرًا أن المطر وحل يصيب الأرض ,ويحل على الملابس بقذر ووسخ , بسببه يلتصق بحذائي طين يأبى الزوال, فأستشيط غضبًا وتنطلق من فمي مفردات مقلّدًا الكبار , بعضها غريب و كثير منها تُنكره أمي وتعنّفني بشدة, , فكان للمطر ذكرى سيئة أتحاشى الخوض فيها , أتجنب الخروج عند حدوثه .
لكن رحلت أمي سريعًا , كأنما لم أعش معها سنوات تقترب من الأربعين , بعدها أصبح بيني وبين المطر خوف ورجاء.
التعليقات مغلقة.