رسالة الدكرورى الى النصابين والمحتالين
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم، ليحقق للعباد مصالحهم، ويحفظ لهم حياتهم، وعقولهم وأعراضهم، وأموالهم وسائر حقوقهم، التي تتوقف عليها حياتهم واستقرارهم، وإن من المقاصد الكبرى للتشريع الإسلامي حفظ أموال الناس، وتحريم أكلها بغير حق
وفي عصر زاخر بالصراعات المادية والاجتماعية والظواهر السلوكية والأخلاقية والمفاهيم المنتكسة حيال الشريعة الربانية ظهرت قضية بلغت من الخطورة أوجها وقاصيها ومن وجوب التصدي لها ذروتها ونواصيها، وما أسبابها ودواعيها إلا الجشع النهيم والتجاهل الوخيم ومخادعة العزيز العليم.
وحين يمتلك الإنسان مصباحاً فإن عليه أن يستضيء به في الظلام، أما إذا لم يستخدم هذا السراج وسار في الظلام فإنه سيتعرض للضياع والتيه أو السقوط، ويتعرض لمختلف الأضرار والأخطار، وحينئذ لا يلومن إلا نفسه لأنه كان بإمكانه ألا يقع في الضرر والخطر لو استخدم المصباح الذي بيده.
كذلك هو العقل فهو السـراج الذي منحه الله تعالى للإنسان ليستضيء به في دروب الحياة، وهو تلك القوة التي يميز الإنسان بها بين الخير والشر، بين الصالح والطالح ، وتكمن مشكلة الإنسان في أنه قد لا يلتفت إلى عقله وقد يجمده، فلا يرجع إليه ولا يستضيء به، وفي المقابل المجنون الذي لا يملك عقلاً، وبذلك يسقط عنه التكليف، وإن أكثر الناس يمتلكون هذا السـراج (العقل) ولكنهم لا يستضيئون به.
وتسبب جرائم النصب والاحتيال آثارا اجتماعية ونفسية على الضحايا وعلى المجتمع ” تكون وخيمة جدا، ولا حصر لها”، حيث لا يمكن تصور درجة الإحباط والآلام النفسية التي تلحقها عمليات النصب والاحتيال على الأشخاص والأسر الذين وقعوا ضحية لمثل هذه الجرائم؟
فكم من شخص فقد عقله أو فقد حياته منتحرا جراء وقوعهم ضحايا النصب والاحتيال، وكذلك فإن هذه الظاهرة تتسبب في فقد الثقة بين المتعاملين من الناس، كما تساعد على تفشي الرشوة بينهم، وتساهم في إفساد أساليب التعامل بين الناس، وتضيع الكثير من الحقوق.
ومع ظهور التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الالكترونية أصبحت ظاهرة الاستغلال الإلكتروني كغيرها من الظواهر التي اتخذت منحى أكثر تقدما في مجتمعنا وتتماشى مع العصر والعولمة، فاستخدام الوسائل التقنية الحديثة المتنوعة وعلى رأسها الانترنت وجد فيها عديمو الضمير مرتعا خصبا لممارسة مهنة النصب والاحتيال.
فقد ارتفعت نسبته بهدف استغلال طيبة الضحية بشكل مهول، لذا وجبت الحيطة والحذر من كل شخص يستخدم الانترنت ويسعى إلى التعرف على أصدقاء جدد فالشبكة العنكبوتية لا تخلو هي الأخرى من الإجرام.
والإمكانيات الهائلة التي يوفرها ويبيحها الدخول إلى عالم الانترنت أسهمت في جعل كل شيء في متناول اليد، والحصول على المعلومات مهما كانت أصبحت هي الأخرى سهلة وسريعة الوصول إليها، فهناك العشرات بل المئات يعملون بشكل فردي أو على شكل عصابات موزعين عبر كافة القارات تقريبا.
ومن الخطوات الشيطانية الاحتيال على الناس لسلب حقوقهم، أو للحصول على أموالهم، بطرق ملتوية، ظاهرها عقد مشروع، ومآلها فعل ممنوع، فقد يظهر المحتال عقدا مباحا يريد به محرما، وصولا إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته، أو إسقاط واجب، أو دفع حق، ونحو ذلك، وهو دأب المفسدين، الذين يغالبون الخير مكرا واحتيالا، ويسعون في الأرض علوا واختيالا، ويمارسون الغش والتزوير، ويوقعون الناس في الاحتيال.
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء الناس فقال:” وأهل النار خمسة وعد منهم والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ” وقال صلى الله عليه وسلم:” إن هذا المال خضرة حلوة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار”.
لذلك يؤكد القرآن الكريم الدعوة إلى استخدام العقل، بل إن القرآن كله دعوة لاستخدام العقل والاستفادة منه، ففيه عـشرات الآيات التي تحرِّض الناس على استخدام عقولهم ، وطرق الاحتيال كثيرة، ووسائله وفيرة، فقد يلجأ بعض المحتالين إلى الزيادة في ثمن سلعة وهو لا يريد شراءها، تغريرا بالمشتري وخداعا له، وهذا هو النجش الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقال:” ولا تناجشوا” وقال الناجش آكل ربا خائن، وهو خداع باطل لا يحل.
وقال النبى صلى الله عليه وسلم :” الخديعة في النار” وإن النصب والاحتيال وخيانة الأمانة من الأمور الشائعة في كافة المجتمعات، وكذلك في كافة الأزمنة فكانت تحدث بشكل مستمر مع اختلاف طرقها من مجتمع إلى مجتمع ومن زمن إلى زمن، فمن أشكالها احتيال الباعة منذ القدم مثل السرقة في الميزان، وغش اللبن، وحديثاً مثل تقليد الماركات، وتوظيف الأموال، كما دخلت في الأدوية والعقاقير الطبية، حتى أصبحنا نجد أدوية مغشوشة، وطعاما فاسدا وغيرها من القضايا الكثيرة التي تستطيع عين الأمن الساهرة الإمساك بها وتعريفها للمجتمع.
ويلجأ النصابون إلى حيل ومقالب ذكية وماكرة، تجعلهم يكتسبون ثقة وطمأنينة ضحاياهم، ويتوصلون إلى ما يسعون إليه من مكاسب أو غايات مادية أو معنوية، ولا يدرك هؤلاء الضحايا ما يواجهونه إلا بعد فوات الأوان، فيكتشفون متأخرين أنهم وقعوا ضحايا لعمليات نصب واحتيال.
والنصب والاحتيال في اللغة تطلق على الكذب والخداع والدهاء والحذق والمراوغة، وقلب الحقائق والأمور والقدرة على التصرف ، وأما عند أهل القانون، فهو الاستيلاء على شي مملوك، بطريقة احتيالية، بقصد تملكه، أو الاستيلاء على مال الغير بطريق الحيلة ، بينما ينظر البعض إلى النصاب على أنه شخص شديد الذكاء والمكر والدهاء والخيانة وانعدام والضمير،.
ويرى الدارسون لهذه الظاهرة أن لكل نصّاب تركيبته ودوافعه وظروفه التي تدفعه لممارسة جرمه ، فإذا كان النصاب في نظر الشرع مُذنبا وآثما، وفي نظر القانون مجرما تجب معاقبته، فإنه من الناحية الاجتماعية يعد منحرفا اجتماعيا ، والصورة النمطية لضحية النصب هي دائما القروي الساذج، أو الشخص الطامع، أو كبار السن، أو منخفضو الذكاء أو النساء عموماً.
وبحسب مصدر أمني يقول ان النصابين اليوم لم يعودوا يتصيدون ضحاياهم من الأميين والبسطاء فقط، بل أصبحوا يستهدفون جميع الفئات مهما علا مستواها الثقافي أو الاجتماعي حيث الإنسان عندما ينشد الوصول إلى مبتغى ما ولا يستطيع بلوغه، فإنه يسهل أن يسقط فريسة في شراك النصابين والمحتالين الذين يركبون على أوهامه .
التعليقات مغلقة.