رسالة الى قبر أخي .بقلم زكرياء نور الدين
أخي العزيز…
لستَ الآن سوى طيف يجيئ تارة و يختفي، ليس المكان يسعُك، ليست الأمور تدار كما ألفتها، ليس الزمن الذي عشته كزمننا هذا.
تغير كل شيء…
أفتقدك؛ تلك حقيقة و مُصاب، بل تعدى الأمر درجة الفقد، كل الخِلاَّن الذين تعرفهم أضحوا آباءً؛ غير آبهين بما يجول بين ظهرانيهم.
ألهانا التكاثر حتى تغيرت الصحبة…
ليس الأمر كما تعتقد…
لا نزداد إلا عمرا، شخنا و الجسد وهن، أخذتَ معك فورة شبابك و تركتنا نلهث خلف الموت، لا ندركها حتى يأتينا خبرها، لن تكفيك الدموع ما بكينا و لن تُكَفكَف، بالماضي كنا نضحك و نلهو، نتقاسم ما بقي من أعقاب السجائر… كذلك الترشق.
كلٌّ أصبحتُ في غنى عنه مذ غادرت.
كل السبل أضحت تقترب و لا تبتعد، في مكانك هذا نوم أزلي، يقينا أُدرك نهايتي كما أدركتها أنت، لكنني الآن الأب و العم و الخال و ربما…الجد.
لست أرى إلا الموت هادما و ذلك مصيبنا فلا نعْجَله، هجرت فينا كل جميل و رميتنا إلى حاضر مغيَّبٍ لا ألوان فيه و لا جُدَد، كذلك الدروب التي ألفتُ السير فيها و أياك منها من اتسع و منها من ضاقت بهِ سبله، اعتدت البكاء ليس حزنا على ربيع الشباب، بل على حصاد كالحطام، لطالما سألتني عيناي على بعضٍ من كُلِك، عن ثنايا جسدك و كيف أصبح، عن تلك القدم الكبيرة و الظِفر المتورم، عن حشرجة صوتك و دكانة شعرك، عن اصفرار أسنانك و عسر شمالك، فتجدني و العبرات نعزي ما تبقى فينا من ذكرى فتجدنا نحمل بعضنا بعضا على الإفراط في الكبت.
ليس العبرات إلا لغة فشل…
أمك كما لم تعدها…طريحة الفراش، تستقوي بحضورنا كذلك أبوك، لم تبيض عيناه حزنا لكنه أشفق عليك لا عليه، لا يذكرك حرصا منه كي لا يضعف و يجهش بالبكاء، أعرفه جيدا؛ لطالما كان قلبه باكيا كطفل صغير و هو ابن الثمانين.
لم أشأ أن أثقل عليك رمسك، فأنت في روضتك و نحن كلُُّ و عذاباته، لا نأمل إلا في لقاء يجمعُ أو همسٍ يلسعْ، فما عسايَ إلا أن أقول لك:
_ لا تستيقظ فلا فرح هنا و لا أمل.
زكرياء نورالدين الجزائري
التعليقات مغلقة.